هنا بنت محمد اليزيدي
يتردَّد على أسماعنا كثيرًا في أي مجتمع عمومًا، والمجتمع الوظيفي خصوصًا - وهو ما أنا بصدد التحدث عنه في هذا المقال -، كمٌّ من الشكوى والسخط الهائل من الأوضاع الراهنة في العمل، من قلة في التحفيز، وضعف التطوير والتدريب، وسوء العلاقات الإنسانية.
وإنه ليسوؤني حين أسمع هذا التذمر الذي يحمل في ظاهره شيئًا من الحقيقة أن هناك فراغات نفسية بين طيات الكلام. تلك الفراغات ليست على شكل مساحات فارغة، بل هي شبيهة بشماعة الملابس؛ إذ إن لكل مشكلة عددًا كبيرًا من المعاليق الجاهزة للاستخدام الفوري، بطريقة تعجز بعدها عن رؤية السياق الحقيقي للمشكلة. وفي زخم هذه الفراغات يتبادر إلى ذهني سؤال واحد: (هل هذه هي المشكلة الحقيقية؟). إن الإجابة الفعلية عن هذا السؤال موجودة داخل كل متذمر، سواء امتلك موهبة استبصار نفسه أو لا؛ لأنه يعرف كم البدائل الموجودة لمشكلته الكونية، وكم النسبة التي يتحملها من هذه المشكلة، وأن بعضًا من قراراته غير المدروسة كانت كفيلة بخلق مشكلة، لم يكن لها وجود فعلي على أرض الواقع.
نقرأ ونسمع كثيرًا عن ملهمين، وأناس تربعوا على قمم العالم، وبعضهم صنع قممًا جديدة، وواجهوا من التحديات ما جعلهم غير قادرين حتى على تلبية متطلبات الحياة الأساسية (مأكل ومشرب ومسكن... إلخ)، ولكنهم تحلوا بالجرأة الكافية لإدراك دورهم الحقيقي في تجاوز هذه التحديات، بعد أن رأوا أن هذه المشاكل ما هي إلا إشارات وُضعت لتغيير منعطفات حياتهم إلى الجهة المشرقة.
لا أقصد في هذه المقالة أن أثير بها حنقة القارئ تجاه مشاكله التي لا ناقة له فيها ولا جمل، بل أقصد مدى جديته في تحويل هذه المشكلة إلى تحدٍّ، ينهض به وبمن حوله إلى منعطفات الحياة الجميلة.. والتذكير بأنه ما زال في الحياة متسع.