د. عبدالحق عزوزي
أدت درجات الحرارة المرتفعة واستمرار موجة الجفاف في أستراليا إلى انتشار موجة حرائق غير مسبوقة في البلاد، وهو ما أسفر عن مقتل العشرات من الأشخاص ونفوق ملايين الحيوانات. واتسع نطاق الحرائق، التي بدأت في سبتمبر/ أيلول الماضي، خلال الأسبوع الماضي، وأدت إلى إخلاء عدة مدن بأكملها، وقد أتت على حوالي 60 ألف كيلومتر مربع من الغابات والأحراش والحدائق، ومن المتوقع ازدياد خطر الحرائق مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة في البلد. وتقول المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في هذا الصدد إن ارتفاع درجات الحرارة عالميا وهي السبب الرئيس في مثل هاته الحرائق يرجع إلى انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وبمعنى آخر فإن البشرية تدفع ثمن هذا الاحتباس الحراري وثمن الاستغلال اللاإنساني لثروات الأرض التي تؤدي إلى التلوث وأخواتها؛ وما هاته إلا البداية؛ فإذا كان هناك سبب كبير للأحداث التي ستؤثر تأثيرا عميقا على جميع البشر في كل أصقاع الكرة الأرضية في العقود المقبلة، فسيكون هو التغير المناخي لا محالة، وستؤثر عواقب هذا التغير على كل أنحاء الكرة الأرضية ربما ليس في التوقيت ذاته أو بالشدة نفسها، ولكنها ستلحق بنا جميعا في نهاية المطاف.
ومنذ مدة حذر البنك الدولي من أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من بين أكثر الأماكن على الأرض عرضة للخطر نتيجة لارتفاع منسوب مياه البحر، خاصة المناطق الساحلية المنخفضة. كما توقع أن يتعرض عشرات ملايين البشر في المنطقة لضغط نقص المياه بحلول عام 2025 . وشح المياه نتيجة الجفاف سيؤدي بدوره إلى زيادة الضغط على موارد المياه الجوفية وإلى قلة المحاصيل الزراعية، مما سينعكس على اقتصاد هذه الدول، وعلى العائدات من المحاصيل الزراعية والسياحة، وعلى معدلات البطالة وضعف القدرة الشرائية وما سيتبعها من مشاكل مجتمعية.
وقد أظهرت البيانات الصادرة مؤخرا عن «كوبرنيكوس» أن درجات الحرارة في كل أنحاء العالم في العام الماضي كانت في المرتبة الثانية بعد العام 2016 حين ارتفعت الحرارة 0.12 درجة مئوية بسبب ظاهرة «النينيو» المناخية.
وأظهر التقرير أن السنوات الخمس الماضية كانت الأكثر حرا على الإطلاق، وكانت الفترة الأكثر دفئا منذ بدء التسجيلات. وارتفعت الحرارة على مستوى العالم في العام 2019، 0.6 درجة مئوية عن متوسط الأعوام 1981- 2010، كما ارتفعت حرارة الأرض خلال السنوات الخمس الماضية ما بين 1.1 و1.2 درجة مئوية مقارنة بالفترة ما قبل الثورة الصناعية. وأضافت «كوبرنيكوس» أن تركيزات الكربون في الغلاف الجوي استمرت في الارتفاع في العام 2019 ووصلت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق. كما قالت الأمم المتحدة العام الماضي إن انبعاثات غازات الدفيئة يجب أن تنخفض بنسبة 7,6 % سنويا وصولا إلى العام 2030 من أجل الحد من ارتفاع الحرارة 1.5 درجة مئوية. وقد شهد الأسبوع الأول من العام 2020 كوارث مرتبطة بالمناخ مثل الحرائق التي اجتاحت جنوب شرق أستراليا والفيضانات التي قتلت العشرات في إندونيسيا. وقال العلماء إن مثل هذه الكوارث ستصبح متكررة وأكثر شدة مع ارتفاع درجات الحرارة. وكانت ظاهرة الاحترار المناخي أكثر بروزا العام الماضي في ألاسكا وأجزاء أخرى من القطب الشمالي إضافة إلى مساحات شاسعة من شرق أوروبا وجنوبها وجنوب إفريقيا وأستراليا. وكانت كل الفصول في أوروبا أكثر دفئا من المتوسط، وقد سجلت دول عدة ارتفاعا في درجات الحرارة في الصيف والشتاء. وأفادت خدمة «كوبرنيكوس» بأن كانون الأول/ ديسمبر 2019 كان أكثر دفئا بـ3.2 درجات مئوية من الفترة المرجعية 1981- 2010 .
يؤكد العلماء من كل القارات بالتحاليل العلمية وبلغة الأرقام أن أية زيادة متوقعة على درجتين مئويتين كحد أقصى لارتفاع درجات الحرارة بالكرة الأرضية عن النسبة الأصلية سيهلك الحرث والنسل، وستشكل كارثة وداهية عظمى ليس لها من دون الله كاسفة على البيئة والاقتصاد. فأكبر تهديد خطير قد نتركه للأجيال المقبلة هو التغيير المناخي الذي قد يخلف من ورائه عقودا عجافا من الجفاف، وفيضانات وموجات حرارية شديدة وانتشارا للأوبئة وندرة للمياه مع ما سيتبع كل ذلك من هجرات لامتناهية للبشر، لذا وجب عدم تنصل الدول من المسؤوليات القانونية التي أخذتها على عاتقها خاصة في قمة باريس عن المناخ ووجب تعميم امتلاك التكنولوجيا والطاقات المتجددة لتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكاربون، وهاته مسؤولية الأفراد والجماعات.