سمر المقرن
في مستنقع الأكاذيب لا تعيش إلا الأسماك الميتة، والمنحطون في حاجة للكذب لأنهم يستمدون بقاءهم منه كجذور الحشائش النابتة المتطفلة لا غنى لها عن مص دماء التربة لتنمو وتعيش. ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحت وللأسف مرتعاً خصبًا للأخبار المزيفة والكاذبة، مما جعل الثقة في الأخبار الرقمية تهوي في أحوال كثيرة لأسفل سافلين. فيما وضع علماء التكنولوجيا تعريفًا شاملاً للأخبار المزيفة بأنها تتضمن نشر معلومات كاذبة وملفقة ومفبركة من خيال صُنّاعها سواء كتابة أو بالاستعانة بفيديوهات مزيفة أيضًا لغرض ما. ولقد أظهرت دراسة حديثة أعدها معهد ماساتشوستش للتكنولوجيا بأمريكا عن الفترة الزمنية من أكتوبر 2018 إلى أكتوبر 2019م، تؤكد أن نسبة مشاركة الأخبار الكاذبة بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي تصل 70 في المائة وهو رقم كبير يدل على جهل المشاركين لها دون أن يتبينوا من حقيقة الخبر الذي ربما يكون مصدره فاسقًا! وأشارت الدراسة إلى أن اللغة الإنجليزية أكثر اللغات نشرًا للأخبار الكاذبة بنسبة 70 في المائة وأقلها اللغة العربية بنسبة 67 في المائة -لا أرى هنا فارقاً كبيراً بين الأعلى والأقل! - ووضع الباحثون الذين أجروا الدراسة حلولاً لمواجهة الأخبار الكاذبة منها الاشتراك في صفحات الأخبار الموثوقة والابتعاد عن الصفحات المجهولة والمشبوهة، والتحقق من المعلومات قبل تصديقها أو مشاركتها، إضافة إلى ضرورة إصدار تشريعات وعقوبات رادعه ضد من يروج أو يشارك الأخبار الكاذبة التي يكون مصدرها احياناً وللأسف مصادر إعلامية تهدم الثقة بالإعلام عامة. وتتعاون جمعيات المجتمع الدولي ضد العصابات الرقمية في محاولة لرأب صدع الخلل المعلوماتي ومواجهة الأخبار الكاذبة، فقد دعا نواب بريطانيون إلى ضرورة تعديل ميزان القوى بين منصات التواصل والرأي العام للحيلولة دون نشر أخبار كاذبة أو مزيفة. فيما أتت دعوات في الولايات المتحدة إلى صنع نظام معلوماتي جديد وتطوير علوم الكمبيوتر لصيد الأخبار الزائفة مبكراً، لا سيما بعد فشل مصدات المؤسسات الهشة وغرقها أمام طوفان المعلومات الكاذبة! وبلا شك هناك مافيا كبيرة تستفيد من نشر هذه الأكاذيب التي تعضدها الجيوش الرقمية وبعض الكتاب ورجال الإعلام والأعمال كوسيلة للابتزاز وكسب المال ولأغراض في نفس يعقوب سياسية أو اقتصادية الخ، لا سيما أن هذه الأخبار قد تنشط في مواسم الانتخابات ببعض الدول لصالح مرشح ضد آخر!
فيما نشر المعهد الأمريكي المختص بالكشف وأرشفة الأخبار المزيفة حقيقة دامغة، تؤكد أن 23 في المائة من البالغين هناك شاركوا في صناعة الأخبار المزيفة بتعمّد أو عن جهل، مما قد يتسبب في انهيار دول أو فضيحة أشخاص.
وإذا كان الكذب بلا رجلين.. لكن للفضيحة أجنحة، فعلينا أن نتكاتف مع مؤسساتنا المختلفة التي تبذل جهودًا مضنية لتقديم المعلومة الصادقة دائمًا لتكون طوق نجاة للجميع في محيط الكذب بأنحاء كثيرة من العالم!