فهد بن جليد
الذكاء الاصطناعي في أبسط صوره وتعريفاته هو فن مُحاكاة الأجهزة الحاسوبية والبرامج التقنية لقدرات العقل البشري لناحية التفكير والتحليل واتخاذ القرار المُناسب, وليس مجرَّد حفظ المعلومة والرجوع إليها وتصنيفها, كما هو الحال مع الثورة التقنية الحالية, بمعنى قدرة الأجهزة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل المُناسب, هذا الأمر ترك الباب مفتوحاً أمام مُستقبل وسباق بشري مع الآلة (لا حدود له), وهو ما جعل المنافسة اليوم بين الدول والحكومات والمجتمعات والثقافات, تحتدم في هذا المضمار على أساس أنَّ من يملك مفاتيح التقنية يملك القدرة على التحكم في محيطه الداخلي والخارجي, تبعاً للتنبؤات المُستقبلية بثورة هذا (العلم الجديد) الذي ضُرب العام 2050 موعداً نهائياً لتغلغه في حياة البشر بشكل كامل وطاغي, يحدُّ من قدرة الإنسان على التحكم في حياته ومحيطه, وربما خضع عموم البشر لرغبات وقدرات الفكر الحاسوبي الهائل.
ما يتعرض له البشر اليوم من فقدان بعض الوظائف والمهام لصالح الآلة ليست سوى باكورة تحقق مثل تلك التكهنات والتنبؤات بمُستقبل العلاقة مع الذكاءات الجديدة, التي قد تقود لعزلة البشر في (غضون عقدين) على الأبعد, نتيجة منح الآلة مساحة أكبر للعب أدوار مهمة ورئيسة, الأمر الذي يتطلب تغيراً في فهم المُجتمعات وعلاقتها مع المُستقبل التقني والحفاظ على علاقاتها وطُرق تواصلها, وهو ما يستوجب فهم السيناريو ومُجاراة العجلة التي انطلقت ولن تتوقف, لناحية تشجيع المُجتمعات لرسم مُستقبلها بأنفسها والاستشعار به, ليس لناحية التكيف والتغيير بالاستعداد فحسب, بل لناحية المُشاركة في الصناعة وإحداث التغيير بالانخراط العلمي والبرمجي في هذه الصناعة, والمملكة تملك استراتيجيات تستطيع فرضها على خارطة مُخرجات الثورة الصناعية الرابعة بما يتناسب مع مكانتها وطموح رؤيتها المُستقبلية, ولعلَّ إنشاء هيئة للبيانات والذكاء الاصطناعي يؤكد العزم على بناء مُستقبل سعودي يعتمد على الذكاء الاصطناعي بتشجيع الابتكار وتعزيز مستويات الأداء بمُساهمة العقول السعودية النيِّرة التي تستطيع إحداث الفارق وهو التحدي الأهم -برأيي- كي لا نجد أنفسنا غداً نتعامل بردات فعل على واقع جديد تفرضه التقنية ومن ورائها.
نحن اليوم على أعتاب استضافة الرياض للقمة العالمية للذكاء الاصطناعي برعاية سمو ولي العهد, والتي ستمثل أحد أهم المُلتقيات العالمية لتبادل الخبرات وعقد الشراكات الفاعلة في عالم البيانات والذكاء الاصطناعي, وهي خطوة مُتقدمة ليس للمملكة فحسب بل للمنطقة والعالم العربي باستضافة مثل هذا الحدث العالمي الهام, الذي يرى فيه العالم نواة لبناء المُستقبل واستكشافه, إضافة لمُسابقة (الآرتاثون) التي تجمع الفنانين وخبراء الذكاء الاصطناعي, هذه خطوات وقفزات نوعية يحق لنا الفخر بها, ليتبقى فقط تفعيل دور التعليم في هذا الباب وتشجيع أكبر لابتكارات العقول السعودية, وبل وحتى ضمان حصول المواطن السعودي على خدمات مبتكرة تتناسب مع حاجاته وتلبي طموحاته, علينا تكثيف البرامج الإعلامية والتعليمية لتبسيط الفكرة وشحذ همم العقول السعودية للمُشاركة وصناعة المُستقبل الذي ترجوه وتطمح إليه الأمة السعودية.
وعلى دروب الخير نلتقي.