نجلاء الشهري
جزء كبير من السلوك البشري يمكن تجسيده في الإعلام عامةً وفي السينما بشكل خاص.
فهما لا يعكسان السلوكيات في الواقع فحسب، بل يؤثران فيها.
إن الحقيقة التي تعد بمثابة العصا التي ترتكز على الأفلام، هي أن الأفلام قادرة على أن توسع من وعينا حول الكون وحول ذواتنا، وقادرة أيضًا في أحيانٍ أخرى بطريقة ما، أن تضيق من نظرتنا تجاه بعض الأمور وتحد من وعينا حول الفاصل المهترئ الذي يقع بين الواقع وما يحدث داخل الحيوات المعروضة في الأفلام، وترسم أفقا معينة مختارة لحدودنا كيفما تجسدها، وقد تتداخل الحيوات تلك مع حيواتنا الواقعية وتتشابه معها.
فمن خلال مشاهدة الفيلم يمكن للمشاهد أن يسترجع ذكريات وتفاصيل صغيرة يتذكرها من خلال مشهد ما يثير المشاعر، ويصبح الفيلم منصة تطفو عليها ذكرياتنا وأحاسيسنا.
ولأن الأفلام تحمل أكثر من معنى بالاعتماد على أن تفسيرات المشاهدين للفيلم الواحد قد تتعدد وتتباين، نعزي هذه الخاصية لكون الفيلم ساحة واسعة ومليئة بالعناصر المتداخلة والمعقدة.
يعتبر علماء النفس الأفلام إحدى الأدوات التجريبية التي تقيس مستوى الشعور عند الإنسان. فقد تحرك فينا المخاوف المدفونة في اللاوعي مما يجعلها وسيلة تساعدنا على أن نتكشف أمام أنفسنا بشكل أوضح.
إن الأعمال السينمائية المتمثلة في الانغماس بدواخلنا تهدف إلى إشباع رغبةٍ ما، وتغرس فينا أيضًا بعض المفاهيم عن طريق التدرج، فهذا ما يضفي غالبًا طابع التقبل والألفة لسلوكيات جماعية أو فردية معينة، تروجها بطريقة غير مباشرة ما يمنحنا مع الوقت قبولا غير واعٍ لها أوعلى الأقل تقليلا من مدى أهمية ما يمكن أن تخلفه تلك السلوكيات من تأثير، فالتكرار ينتج عنه التعود.
ولهذا يعتقد سكيب يونج أن التعرض للإعلام يوفر مجموعة من الأطر السلوكية التي تظل هاجعة حتى يبلغ موقفا وثيق الصلة يتوافق وتلك الهيئة، بحيث إن التعرض المتكرر لمشاهد المشاجرات لا يدفع الناس بالضرورة إلى البحث عن المشاجرة لكن في حال تعرض هؤلاء الناس للتهديد فإنهم يكونون مهيئين سلفًا لكيفية التصرف في مثل هذا الموقف.
إن التراكمات الذهنية تعمل على تفعيل صور ثقافية لدى المشاهد، بحيث تتحكم في نظرتنا جزئيًا تجاه الحوادث وتقييمنا للأشخاص والمواقف، حتى تصير القصص وشخوصها أنموذجًا لطريقة تعاطينا مع الأحداث.
معظم الأفراد يستقون معلوماتهم في نواح معينة من الأفلام بشكل كبير، على سبيل المثال (الاضطرابات والمعضلات النفسية) يمكن لصناع الأفلام التلاعب ببعض الحقائق بغرض إضفاء طابع التشويق أكثر مما هي عليه في الواقع، وقد تصور المريض في هيئة تستدعي معها الارتياب، فتوحي بذلك على أن من يعاني من مشكلات نفسية حقيقية هو بالضرورة شخص غير جدير بالثقة، أو التعاطف، أو تكوين العائلة، أواعتلاء مناصب عمل جيدة في المجتمع، بسبب مرضه.
فقد أكدت نتائج بعض الدراسات على أن الوسائل التخيلية وغير التخيلية يمكن أن يكون لها تأثير على طريقة إدراك المشاهد للمرض النفسي.
بالتالي قد تعد الأفلام أحد نقائض الحقيقة، لما يشوبها من عدم دقة، ولقدرتها على أن تشكل في بواطننا أنماطا معينة من الأفراد.
السؤال الأهم، بما أن السينما وسيلة للتنفيس، هل يمكن أن تحمل على الجانب الآخر مخاطر محتملة؟
إن التأثير اللاشعوري هو محفز حسي، لا يستطيع الإدراك الواعي التقاطها فالمخ يعالجها كما ينبغي ومن ثم تؤثر على السلوك.
غير أنه ومع ذلك، لا يمكن إنكار ما نالته الأفلام من اعتراف واسع باعتبارها وسيلة تعليمية مساعدة في الكثير من الموضوعات.
فثمة صور مرئية في الأفلام والتلفزيون وأجهزة الكمبيوتر يتم إنتاجها خصوصًا لتلبية حاجة سوق التعليم.
ويؤكد سكيب يونج على أنه عندما نشاهد الأفلام فإننا نغدو مندمجين مع شخوصها بكل جوارحنا لكننا في الأغلب لا نعود إلى التفكير فيها مرة أخرى، ومع ذلك يحدث أحيانًا أن فيلمًا ما يمكث معنا ونظل نفكر فيه مليًا لساعة أو لأسبوع أو لسنة أو لبقية عمرنا، وتبقى قصته وصوره تشغل أذهاننا فنعيش مجددًا تلك المشاعر ونربط بينه وبين بقية العالم من حولنا، ويتحول فهمنا لقصته إلى خريطة نسترشد بها بقية حياتنا.