شريفة الشملان
(يدبِّر الأمر) سبحان الله وعز شأنه، فجعنا بصديق الجميع، الإنسان، ومجموعة رجال في رجل. السبت لم توجد فجرياته لقد غادرنا. غادرنا وهو المريض في أغلب أوقاته في رحلة استجمام بين أهله وذويه وعاد محمولاً.
فجر السبت كتب شقيقه محمد الزامل نعيه، فأبكانا جميعاً وكان صباحاً كئيباً لا كصباحات الإجازة الأسبوعية، سبتاً حزيناً ثقيلاً.
كنت أعرفه من كتاباته منذ زمن البدايات، عرفته أكثر فكما تزاملنا بالقلم تزاملنا في العمل الإنساني، هو رجل التطوع بامتياز، وأنا سيدة كنت أعمل في الشؤون الاجتماعية، ومن ثم حقوق الإنسان وكان دربنا متشابهاً.
من ضمن نشاط المكتب الصباحي سواء في الشؤون أو بعدما عملت في حقوق الإنسان مراجعة الصحف، ومعرفة شكاوى الناس، عندما نجدها من اختصاصنا ندخلها ضمن جدولنا.. وكانت الصلة الجميلة مع المعلم العلم نجيب الزامل الذي امتدت علاقتي به، حتى جاء نبأ وفاته.
رجل لم أقابله أبداً وجهاً لوجه، لكنه كان موجوداً دائماً يتحرك في كل مكان. كلماته هادئة جداً وعبارات السلام والمحبة دائماً ضمن مقالاته وفجرياته نور يمتد لصباح اليوم الثاني لفجريات أخرى.
أتى الرسول الرباني لا اعتراض عليه مسك الروح الطيبة وطار بها، وحملناه أمنيات أن يجعل الله دربه مفروشاً بالرياحين والورود، يفتح له أبواب جناته كما فتح له باب المعرفة والعلم وزينه بالمحبة للكل، لقد كان رجلاً يحمل رسالة حب وكرامة ومروءة.
البر بالوالدين أهم وأكرم صفة يتصف بها الإنسان، فقد قال ربنا جل وعلا: {رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (24) سورة الإسراء. نجيب كان باراً بوالدته براً يليق بهذه السيدة العظيمة ويليق به أيضاً.
عائلة محبة للخير والعطاء، أسرة تفتح دروب الخير ويعاونها محبوه، أخته نعيمة الزامل سيدة بر وإحسان حملت على عاتقها تدريب الفقيرات ليكن منتجات، وأسست مع نخبة من السيدات الفاضلات جمعية ود الخيرية في الخبر، وقبلها كانت تعمل بجد ونشاط مع (جمعية فتاة الخليج) من أقدم الجمعيات الخيرية النسائية في المملكة.
رحل نجيب الزامل، تألمنا كثيراً، لكن الله -عز وجل- الذي (يدبر الأمر) دبر له أمراً أرضاه بإذنه تعالى وجبر خاطر ذويه وخاطر محبيه.
شاء الله أن تكون رحلة عودته محمولاً لمدينة جدة .. فكانت صلاة فجر يوم الاثنين في المسجد الحرام بمكة، كان مسجى هناك ليصلي عليه جموع المسلمون من كل حدب وصوب، صلاة الجنازة وصلت قلوبنا معهم وكررنا الأدعية .. وشعرنا أن الله يجبر خواطرنا.
كل يوم يولد ملايين من الرجال والنساء، ولكن الذين يملئون الحياة من حولهم طيبة وجمالاً مهما قست حياتهم وتعبت صحتهم فهناك أمل ورضى وسعادة ينثرونها على الكون. تبقى حروفهم نوراً يصل للقلوب ويكبر.. قد يفنى الجسد ولكن لا يفنى جمال أروحهم ولا نبض كلماتهم ولا البيوت التي سعوا في إعمارها.. فقد كان -رحمه الله- رجل التطوع وملهمه.. اللهم اجبر كسر أهله وذويه وعوض البلد عن نجيب الزامل بتلاميذه ومحبيه عوضاً طيباً مباركاً.
حفت بك ملائكة الرحمن حملتك بأجنحة من نور، وشربت يا نجيب من الكوثر العذب، فكم أفرحت فقيراً وكم فرجت كربة. فلا أراك الله كربة وتوجتك رحمات من الله ورضواناً.
وحسبنا الله إليه مرجعنا وإليه المصير.. هو من يهبنا الحياة ويهبنا معها دربها، ويختم لنا.. اللهم أحسن خاتمتنا كما أحسنت دنيانا.