د. خيرية السقاف
ما رأيت في الموت إلا ما يرى قارئ نهمٌ في سيرة السَّفرِ!..
حين يكون السَّفر ليس الرحيل، ولا الغياب، ولا الفقدِ،
ولا الشوق، ولا الحنين، ولا الفراق!..
حين السفر لا يعني مِن، ولكنه يعني إلى،
لا يفضي لفراغ مَقرٍّ، وإنما لعمار مستقرِّ..
وحين هو ليس خسارة، وإنما هو مكسب..
وحيث هو ليس قطارا، وإنما محطة..
سيرة الموت باهظ ثمن سِفْرها المنسوجة صفحاته من فسيفساء النبض،
والفكر، والعمل، والسهر، والنوم، واليقظة، والدمعة، والمسرة،
والأخذ، والعطاء، والحب، والبغض،
والسماحة، والغلظة، والنفس، والآخر،
والخطأ، والصواب، والعثرة، والاستقامة،
والإفراط، والاعتدال، والقلة، والكثرة!..
سيرة الموت منسوجة بكل ما ازدحمت به أبجدية حمولته..
ومشارف بلوغه، ومنتهى وصوله!..
لا أرى فيه إلا ما يراه الحالم بالنجاة من مغبة التِّـيه..
وما يراه المؤمِّل من بارقةِ في غاسِقٍ وَقِبٍ..
وما يراه غارقٌ في لجَّة عاتية..
ما قبل الموت؛ سيرة الريح في الرمل..
و... عندما تهطل الدموع في حضوره؛
فلأن فطنة اللحظة يرجئها غياب السِّفر عن عيون القلوب
في بغتة السهو عن التهام سطوره!!..