«الجزيرة» - عوض مانع القحطاني/ تصوير - فتحي كالي:
قال معالي السفير الصيني لدى المملكة السيد تشن وي تشين: إن العلاقات السعودية - الصينية مثالية وراسخة وقوية سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا وفي مختلف المجالات.
وأوضح السفير أن دفع هذه العلاقات إلى الأمام يرجع إلى التنسيق والتشاور بين قيادات البلدين في مختلف القضايا ما جعل هذه العلاقات فريدة وحيوية.
وأكَّد السفير بأن استضافة المملكة لقمة العشرين تعد حدثًا مهمًا لما تحمله من قضايا مهمة في العالم وباعتبار أن المملكة مهمة للعالم ولها دور بناء وتتمتع باستقرار وخطت خطوات كبيرة في مجال الإصلاح في شتى مناحي الحياة مما جعل المملكة نموذجًا عالميًا في البناء والتطور وعاملاً مهمًا للاستقرار في العالم.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقده السفير مع وسائل الإعلام السعودية بمناسبة مرور 30 عامًا على العلاقات الدبلوماسية بين الصين والمملكة. وقال معاليه: إن هذه الأعوام مليئة بالإنجازات والمبادرات والشراكات القوية، مشيرًا إلى أن هناك جهودًا من قبل وزارة الإعلام في السعودية والإعلام الصينية لإبراز علاقات البلدين وتوطيدها ودور وسائل الإعلام في نشر المعلومات بين البلدين وأصبحت وسائل الإعلام بينها منبرًا لإظهار هذا التعاون والتنسيق والتشاور فيما يخدم قضايا الأمة وإبراز الثقافة بين البلدين.
كما أثنى السفير الصيني على ما قامت به المملكة من جهود في تدريس اللغة الصينية في الجامعات والمدارس وهذا يدل على علاقات البلدين، موضحًا أن هناك توجهًا لافتتاح عديد من معاهد اللغة في المملكة في إطار التعاون.
وحول سؤال لـ»الجزيرة» عن نظرة الصين فيما يحدث حاليًا في المنطقة قال السفير الصيني: الصين تتابع بأهمية كبيرة ما يحدث في المنطقة ونحن مع الأمن والاستقرار لكل بلد، خاصة أن هذه المنطقة للعالم حيوية ويجب أن تكون بعيدة عن الصراعات والنزاعات ويجب ضبط النفس ونحن ننظر إلى أن الحل سياسي وليس عسكريًا ويجب على الدول أن تحترم بعضها بعضًا وأن يكون هناك حسن جوار للجميع.
وأوضح بأن الصين حاليًا تقوم بجهود مع الأطراف المعنية لخفض التوتر ولعب دورها البناء لاستقرار هذه المنطقة.
وحول سؤال آخر لـ»الجزيرة» عن موضوع اليمن قال السفير الصيني: نحن ندعم الشرعية وسيادة اليمن والوحدة للأراضي اليمنية، كما أن الصين ترحب بالتوقيع على اتفاقيات الرياض التي تشكل فرصة مهمة للأطراف المتنازعة لبث السلام في اليمن ونقدر للمملكة والتحالف ما يقومان به من جهود في مجال الإغاثة ومساعدة الشعب اليمني، موضحًا بأن استقرار اليمن عامل مهم ويجب أن يحل بالطرق السلمية ومن خلال محادثات صادقة حتى يكون الوضع طبيعيًا في اليمن.
وحول سؤال آخر لـ»الجزيرة» عن مكافحة الإرهاب والاستفادة من برنامج المناصحة في المملكة أوضح السفير الصيني بأن الصين والمملكة عانتا مشكلات من الإرهاب ولكن نشارك ونشاطر المملكة بأن الدين الإسلامي وكما قال الملك سلمان: إن الدين هو دين تسامح ودين محبة واعتدال ووسطية وعلى المسلمين أن ينهجوا ذلك ويبتعدوا عن الإرهاب والغلو والتطرف ويلعبوا دورًا إيجابيًا في نشر مفهوم الإسلام وعلاقاتهم بالأديان الأخرى ورسم صورة حسنة عن الإسلام، موضحًا بأن عدد المسلمين 23 مليون نسمة في الصين وهؤلاء هم جزء مهم من الشعب الصيني حيث يتلقون كل العناية، مؤكدًا بأن الصين يوجد فيها حاليًا 530 مسجدًا، يتمتع فيها المسلمون بالحرية الكاملة في دينهم وحماية حقوقهم الشرعية والمدارس الدينية.
وأشار السفير إلى أن هناك توجهًا من قبل الصين للاستفادة من مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة الذي يعد من أفضل المراكز وقد حقق إنجازات باهرة في مجال المناصحة وسنعمل على الاستفادة منه.
وحول سؤال عن ترؤس المملكة لمجموعة العشرين القادمة قال: المملكة العربية السعودية هي الدولة المهمة في العالم بحكم أنها رائدة للمسلمين وتعمل من أجل السلام والاستقرار والحفاظ على أمن المنطقة برمتها، لذلك الصين ستدعم وتساند المملكة لإنجاح قمة العشرين ومساندة الموضوعات التي تتبناها المملكة في هذه القمة، لأنها موضوعات مهمة وبناءة. كما أن رؤية المملكة مطمئنة وفيها ما يعزز علاقات المملكة في العالم وفيها كل خير للبشرية في العالم،
كما أن المحاور الثلاثة التي ستطرح في قمة العشرين مهمة جدًا ومنها الحفاظ على كوكب الأرض من التلوث.
وحول سؤال لـ»الجزيرة» عن شكوى بعض المواطنين من السلع الصينية الرديئة التي تصل إلى المملكة اعترف السفير الصيني بوجود ظاهر لمثل هذه البضائع ولكن السبب فيها هم المستوردون السعوديون لهذه الصناعات، فالصين لديها الصناعات القوية والضرورية في العالم ولديها صناعات قليلة الجودة ولكن في الأعوام الأخيرة تم معالجة بعض القضايا ووضعت لها حلول مع المصدرين والمستوردين للسوق السعودية، كما أن هناك بعض المتسوقين يرغبون البضائع المخفضة في الأسواق وسنعمل على تعديل هذه الصناعات إلى الأفضل.
وبين السفير أن الصين والمملكة موقعهما الجغرافي مهم جدًا لآسيا وإفريقيا وللعالم وهناك استثمارات متعددة في هذه الدول.
يعد عام 2019 الذي مررنا به عام ذو معنى بالغ في مسيرة التنمية للصين. وتأسست جمهورية الصين الشعبية قبل 70 عامًا، وبدأ الشعب الصيني منذ ذلك الوقت العمل العظيم لتحويل وبناء الوطن، فقفز اقتصاد الصين وقوته الشاملة قفزة كبيرة، وتحسن مستوى معيشة الشعب إلى حد كبير، وتقدمت درجة الوعي العامة في المجتمع بشكل ملحوظ.
وبهذا، تنطلق الصين الموحدة والمستقرة والمزدهرة إلى مسيرتها الجديدة.
في 2019 واجهت الدبلوماسية الصينية الصعوبات بثبات ومضت قدمًا إلى الأمام، مع التقلبات في الوضع الدولي، نتمسك بمبدأ تعددية الأطراف وبموجب العدالة، ونعزز التعاون وتبادل المصالح مع الدول النامية، ونؤدي دورًا رائدًا في إرشاد الحوكمة العالمية. وبالرغم من أن الاقتصاد العالمي يشهد انكماشًا مستمرًا نتمسك بمبدأ المصالح المتبادلة والفوز المشترك، ونقيم الدورة الثانية لمنتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي، والدورة الثانية لمعرض الاستيراد الدولي الصيني، ونعلن تدابير جديدة للانفتاح إلى الخارج، ونقدم مساهمة جديدة لجعل الاقتصاد العالمي أكثر انفتاحًا. فالصين تحافظ بثبات على السلام العالمي وعلى تعزيز التنمية والازدهار في العالم كله.
ويعد 2019 عامًا لافتًا للنظر بالنسبة إلى الاقتصاد الصيني. على الرغم من تأثير العناصر الخارجية، حيث عمل الاقتصاد الصيني بسلاسة مما زاد إجمالي الناتج المحلي الصيني بمعدل 6.2 في المائة من يناير إلى سبتمبر، وتصدر اقتصاديات العالم لأكثر من تريليون دولار، كما حافظت الصين على الزيادة المتراوحة بين 6 في المائة و7 في المائة لأكثر من 19 ربعًا، مما جعلها المحرك المهم لدفع نمو الاقتصاد العالمي. فتحسن هيكل الاقتصاد الصيني، وأبقى معدل مساهمة الاستهلاك وصناعة الخدمة أكثر من 60 في المائة. من يناير إلى أكتوبر، زاد استثمار صناعة التقنية العالية بمعدل 14.2 في المائة، وزادت قيمة صناعة التقنية العالية بمعدل 8.7 في المائة.
كما راعى الاقتصاد الصيني معيشة الشعب أكثر، وزاد الدخل المتاح للفرد بمعدل 6.1 في المائة من يناير إلى سبتمبر.
أما في عام 2020، فمن المتوقع أن يتجاوز حجم الناتج المحلي الصيني 10 تريليونات يوان صيني، ويتجاوز الناتج المحلي للفرد 10 آلاف دولار.
ويعد عام 2019 عامًا استثنائيًا في تاريخ العلاقات بين الصين والمملكة، حيث أجرى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود مكالمتين هاتفيتين مع فخامة الرئيس الصيني شي جين بينغ، وتكللت زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد إلى الصين في فبراير بنجاح، وأعلن تاريخيًا إدراج تعليم اللغة الصينية في المناهج السعودية، الأمر الذي فتح مجالاً جديدًا للتعاون بين البلدين.
يسرني أن أشهد على النتائج المثمرة لمشروع تعليم اللغة الصينية في المملكة برعاية ودعم قيادتي البلدين، فتكلل التدريب الصيفي للغة الصينية من وزارة التعليم في يوليو بنجاح، كما التحق نحو 50 طالبًا لدراسة اللغة الصينية في جامعة الملك سعود في سبتمبر وهو عدد قياسي، ويشارك الأستاذ من الجانب الصيني في التعليم مع الأستاذ من الجانب السعودي. في ديسمبر، وقعت جامعة جدة على اتفاقية إنشاء معهد كونفوشوس مع مقر المعهد الرئيس. وطلب الشعب الصيني التأشيرة السياحية إلى المملكة بنشاط منذ تدشينها في سبتمبر. وقالوا في المأثور «اطلب العلم ولو في الصين»، فلا يوجد أي وقت في التاريخ مثل الآن، تربط قلوب الشعبين مع البعض عبر المعرفة والثقافة والمحبة.
في عام 2019 تطور التعاون العملي بين الصين والمملكة بشكل مستمر، فبلغ حجم التجارة بين الصين والمملكة من يناير إلى أكتوبر 63.4 مليار دولار، بزيادة 27.4 في المائة عن العام الماضي.
أما الاستيراد الصيني من المملكة فبلغ 44.6 مليار دولار، بزيادة 24.1 في المائة. وبلغ حجم استيراد الصين للنفط 68.1 مليون طن، بزيادة 57.7 في المائة، ويحتل النفط السعودي 16.4 في المائة من إجمالي الاستيراد الصيني.
وعلى الجانب الآخر بلغ حجم تصدير الصين إلى المملكة 19.2 مليار دولار، بزيادة 35.8 في المائة. وبلغت قيمة العقود الجديدة بين الشركات الصينية والسعودية 8.9 مليار دولار، وزادت عمّا كان عليه بـ160.5 في المائة، بينما ارتفع عدد مشروعات الاستثمار السعودية للصين إلى 35 مشروعا، بزيادة 25 في المائة. وتبقى الصين أكبر دولة لاستيراد المنتجات غير النفطية من السعودية، فبلغ نصيبها من يناير إلى سبتمبر 16.5 في المائة، ليزداد بمعدل 3.4 في المائة. وصدرت المملكة 23048 طنًا من الربيان، وقيمتها 145 مليون دولار، والآن، يبدأ المستوردون الصينيون تجهيز الشراء قبل عيد الربيع لعام 2020.
في نوفمبر الماضي، ترأس معالي الأستاذ بندر الخريف وزير الصناعة والثروة المعدنية ومعالي الأستاذ عبدالرحمن أحمد الحربي محافظ الهيئة العامة للتجارة الخارجية وفدًا سعوديًا للمشاركة في الدورة الثانية لمعرض الاستيراد الدولي الصيني، كما شارك 283 من رجال الأعمال الصينيين في الدورة الثالثة لمبادرة مستقبل الاستثمار في المملكة.
إن السلام والأمن والتنمية المستقرة في الشرق الأوسط هي أيضًا من تطلعات الصين ومن مصالحها ومسؤولياتها. وقد قال مستشار الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي إن السلام في الشرق الأوسط يرتبط بالمصالح الأساسية للدول في المنطقة، والاستقرار والتنمية للعالم. لطالما تكون الصين منشأ لسلام الشرق الأوسط، ومروجًا للاستقرار في المنطقة، ومساهمًا في تنمية الشرق الأوسط.
من المعروف أن المملكة العربية السعودية قوة إسلامية كبرى وقوة مهمة للطاقة في العالم، وهي العضو الوحيد من الدول العربية في مجموعة العشرين، تلعب دورًا محوريًا في شؤون الشرق الأوسط، وتقدم مساهمات فريدة في الحفاظ على الأمن والاستقرار وتعزيز التنمية المشتركة للمنطقة. ففي نوفمبر العام الماضي، استضافت الصين منتدى أمن الشرق الأوسط في بكين، وناقشنا مع الأصدقاء العرب، بما فيهم المملكة العربية السعودية، طرق لحلول القضايا الساخنة وخطط التعاون الأمني وإستراتيجيات التنمية المستقرة.
تنعكس الصفة الاستراتيجية للعلاقات الصينية - السعودية في الدعم المتبادل بينهما للمصالح الجوهرية والانشغالات المهمة.
وقد أفاد السيد قنغ شوانغ المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية بأن الجانب الصيني يدعم الجانب السعودي في التعامل مع قضية خاشقجي حسب القانون، ويثق بأن هذه القضية سيتم التعامل معها بشكل ملائم تحت الإطار القضائي السعودي. إن قضية خاشقجي من الشؤون الداخلية السعودية، فلا بد أن يبتعد التعامل معها عن التسييس والتدويل. إن الصين والمملكة هما من ضحايا المعايير المزدوجة، حيث تشوّه بعض وسائل الإعلام إنجازات البلدين في حقوق الإنسان والتنمية عمدًا لأغراض سياسية، وتستغل الموضوعات المعنية لردع الدول النامية من ضمنها الصين والمملكة.
إن عام 2020 ليس نقطة مهمة في تاريخ الصين فحسب، بل لحظة عظيمة أخرى في تاريخ الصداقة الصينية - السعودية أيضًا، إِذ ستحقق الصين أهداف الكفاح عند حلول الذكرى المئوية الأولى لإنجاز بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل، كما سنستقبل الذكرى الثلاثين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والمملكة، والذكرى التسعين لتأسيس المملكة العربية السعودية.