محمد سليمان العنقري
الحديث ليس عن المقارنة بين الإدارة الناجحة والفاشلة فهو لا يضيف الكثير لمن يبحثون عن تطوير أدائهم لأن الإدارة مفاهيمها متنوعة ومتعددة ولها نظريات ومدارس كثيرة وأي إداري نجح في الوصول لأهدافه سيعتبر نفسه مدرسة قائمة بحد ذاتها وقد يكون كريماً مع من يسأله عن سبب نجاحه ليبدأ بإلقاء النصائح والموعظة وحتى الحكم على الناس من باب نقل تجربته للآخرين والمفارقة أن من يطبقون تجاربه أو نصائحه قد لا يحققون نفس النتائج الجيدة التي حققها لأنهم لم يفعّلوا الجانب الأهم وهو اختلاف نشاطهم عن غيرهم ممن نجحوا ويقدمون لهم النصح، بالإضافة إلى أهمية وضع لمساتهم التي تعكس عمق فهمهم لاحتياج المنشأة الفعلي إذ لابد أن يكون لكل إداري بصمته الخاصة وخطته التي يبنيها بنفسه ويصحح أخطاءها بتجربته ووفق ما هو ممكن ومناسب لطبيعة عمله.
لكن الحديث عن الإدارة القاتلة أمر مختلف فهي عامة لا تقتصر على منشأة قطاع خاص سواء فقط ربحية أو غير ربحية أي جمعيات خيرية بل حتى المرافق العامة، فهي تقوم على تقريب موظفين والاستماع لهم بمقابل إبعاد آخرين بمعزل عن النظر لمصداقية الموظف أو كفاءته كما تقوم على محاباة إدارات دوناً عن غيرها فيصبح لدى هذا الإداري الذي يرأس المنشأة أياً كان مسماه متلازمة الاصطفاف مع طرف دون آخر رغم أنه يرأس المنشأة كاملة أي يفترض أن يكون على مسافة واحدة من الجميع لتحقيق المصلحة العامة، ومن صفات الإدارة القاتلة أنها تتسم بالتمسك بالرأي دون النظر إلى سلبياته وإيجابياته وأن يكون هذا الإداري عنيداً لايريد أن يستمع إلا لرأيه وللصوت الذي يصفق له فقط كما أنها لا تستقطب الكفاءات ولا تحافظ عليها بل تصنع بيئة طاردة لها.
كما أن الإدارة القاتلة هي التي تعتقد أنها عندما تحقق نجاحاً فهي بذلك قد تربعت على القمة ولن يزيحها أحد من مكانها فلا تقوم بأي عملية تطوير أو إضافة لمنتجاتها أو تحسين لأدائها أو مواكبة التطور التقني والعلمي والمهني لتواكب العصر الحديث وما يفرزه من تحديات، فمنشآت كثيرة ومعروفة توقفت عن التطور وعطلت عقارب الساعة معتقدة أن منتجاتها أو خدماتها ستبقى المتسيدة لأكبر حصة بالأسواق كما حدث مع شركة نوكيا وغيرها ففقدت مكانتها لصالح غيرها ممن تحالف مع المستقبل، وذات الأمر ينطبق حتى على جهات عامة إذا تبنت نفس النهج وترهلت فتصبح غير قادرة على أداء مهامها بسبب الإدارة القاتلة التي توقفت عن التطوير إذ يحدث ذلك بجامعات وهيئات وجهات رسمية عديدة ولذلك نجد أن الدول بين فترة وأخرى تقوم بعمليات تغيير بالسياسات والممكنات والأنظمة لمنع الترهل الإداري ويشمل ذلك تغيير الإدارات العليا أو تطوير مهاراتها لتواكب الاحتياجات المستقبلية للمجتمع.
قد يقول البعض إن الإدارة القاتلة والفاشلة هما شيء واحد وهذا غير صحيح فالإدارة الفاشلة يمكن استبدالها أو إزالة عوامل الفشل بالمنشأة والبيئة المحيطة بها فتنتقل لمرحلة مختلفة ويبدأ أداؤها بالتحسن لكن الإدارة القاتلة هي على اسمها لا علاج لها إلا بالدمج أو الإلغاء أو الإفلاس لأنها تدخل عللاً للبيئة التي تعيش فيها لا علاج لها إلا بحلول جذرية.