عبدالوهاب الفايز
بعد قتل قائد الجماعات الإرهابية الإيرانية قاسم سليماني، ومن قبل تصفية زعيم الدواعش أبو بكر البغدادي، لعل أمريكا تأخذ المسار الذي يُنتظر منها لتصحيح الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها في المنطقة، وعلى رأسها احتلال العراق وتدمير الجيش وبنية الدولة وتسليمه للنظام الخميني الذي واصل تدميره وحوَّله إلى دولة طائفية، واستخدم رجاله وثرواته لمشروع الهلال الشيعي الطائفي العبثي الذي كان أحد منفذيه المتحمسين له الإرهابي قاسم سليماني.
شعوب المنطقة تنتظر أن ترى مدى صدق وجدية أمريكا لاحتواء مشروع التوسع الطائفي الإيراني، وتصحيح الأخطاء القاتلة.
سكوت أمريكا وصمتها على مشروع التخريب الإيراني في عهد جورج بوش الابن، ثم التسهيل الكبير الذي قدمه الرئيس باراك أوباما لنظام الملالي، بدعم من اللوبي الإيراني داخل الحزب الديمقراطي، ليواصل حماية بشار الأسد والجماعات الإرهابية في لبنان واليمن.. هذا السكوت جرَّ شعوب المنطقة إلى الكوارث التي نراها، فمشروع التفاوض على البرنامج النووي رأى الإيرانيون من خلاله حالة ضعف أمريكية، وهذا انعكس على موقف النظام الإيراني تجاه التواجد الأمريكي في العراق، حيث دبَّر قاسم سليماني العديد من الهجمات التي راح ضحيتها الجنود الأمريكان.
الأمر الأكيد الذي تعرفه وتخشاه حكومة الملالي هو استخدام القوة. الإيرانيون يجيدون فن الكلام وتدبير المؤامرات والحرب بدماء وبأموال وأدوات غيرهم، وهذا رأيناه في تجييش السذج الجهل من العرب وغير العرب الذين دفع بهم الملالي إلى ساحات الحرب وإلى قيادة العمليات الإرهابية، وعلى صدورهم مفاتيح الجنة. الخميني هو الذي جنَّد ودرَّب وموَّل أحزاب الدعوة في عدد من الدول لكي يقوموا بأدوار التخريب والترويج الطائفي البغيض الذي لم تعرفه المنطقة قبل نظام الخميني.
المؤكد أن إيران سوف تراجع مواقفها إذا رأت موقفًا أمريكًا جادًا لاستخدام القوة. مع بداية الثورة الإيرانية لم يتخذ الخميني القرار لإطلاق سراح الرهائن الأمريكان في السفارة الأمريكية في طهران بعد احتجازه 444 يومًا، إلا بعد فوز رونالد ريجان، حيث وضعت إيران الرهائن على متن طائرة قبل أقل من ساعة من تنصيبه. لقد غادر الرهائن المجال الجوي الإيراني عندما أدى الرئيس اليمين، والخبراء في الثقافة الإيرانية الثورية قدموا تفسيرًا لهذا التصرف يستخلص أن الإيرانيين اعتقدوا أن ريجان يعكس ذهنية رعاة البقر وخشوا أن يدمر طهران.
ومثل هذا التصرف الذي يوضح الخوف من استخدام القوة حدث خلال أزمة الرهائن، حيث احتلت مجموعة من الإرهابيين الإيرانيين السفارة السوفيتية في طهران، ولكن بقاؤهم فيها لم يطل لأن القيادة السوفيتية أبلغت الخميني بأن يغادر الإيرانيون السفارة السوفيتية خلال ساعات أو سوف يتم قصف طهران.
في السنوات الماضية هيمنت إيران على العراق وساهمت في بناء نظامه السياسي الطائفي وجعلت القوة والغلبة في المشهد السياسي للقيادات السياسة المدعوة من الميليشيات الطائفية، وتمادت في هذا التخريب بعد أن أصبحت أمريكا تتفاوض مع السفير الإيراني في العراق، وكأنه اعترف بحق السيادة الإيرانية على العراق. من وجهة النظر الثورية الإيرانية، ربما فسَّر الإيرانيون أن جلوس الولايات المتحدة معهم كانت دليلاً على أن أمريكا ضعيفة وتبحث عن مخرج في العراق.
إن المنطقة لا تحتمل مواقف أمريكية ضعيفة متهربة من المواجهة وتحمل المسؤولية. أمريكا ارتكبت الأخطاء العديدة في المنطقة، باستخدام القوة للإطاحة بصدام، وبالتخلي عن استخدام الردع والقوة لمواجهة غطرسة إيران. بهذا التصرف خذلت حلفاءها وأصدقاءها وأوجدت البيئة المثالية لنمو الجماعات الإرهابية، السنية والشيعية، والأسوأ أنها تسببت في توسع الغطرسة الإيرانية.. التي أصبحت تفاخر باحتلال أربع عواصم عربية!
الحقيقة الباقية هي: بما أن الإيرانيين يؤمنون بالأفعال لا الأقوال، لذا لا يمكن الحكم على سلوكهم إلا من خلال الأفعال التي يلتزمون بها وينفذونها.