حسن اليمني
إنَّ الغلو والتطرف في تقدير الذات وتفخيمها بمنزلة نفخ هواء في بالون مطاطي يرتفع ويحلق في العلو دون قدرة على التحكم والسيطرة، والحق أنه يعكس خواءً وفراغًا ظاهرًا وواضحًا يصنعه العجز والضعف.
نسمع ونشاهد كثيرًا من هذا «النمط» حولنا وبيننا، لكنه أصبح في الآونة الأخيرة مزعجًا رغم تقدم نسب التعلم والتثقيف، ورغم توفر أدوات المعرفة ووفرة المعلومة في عملية معاكسة للمنطق ومجانبة للصواب. توافق المجتمع على مصطلح «التنمُّر» لوصف الحالة، وهو بالفعل وصف دقيق يجمع بين البهيمية والشراسة السادية والخلو من المنطقية والرزانة. وبكل أسف لم يعد صناعة الشوارع والطرق وتجمعات الصبية والمراهقين بل تطور وتقدم ليصل مستويات متعلمة ومسؤولة، وصار من المهم الوقفة للتأمل والمراجعة في أسباب ظهورها ومقومات نموها وقراءة تداعياتها وخطورتها على المجتمع ذاته في تماسكه واستقراره وأمنه.
إنَّ من الجيد أن يصاحب هذه الظاهرة ظهور وصف «الهياط» كرد معاكس وموازٍ في الاتجاه المعاكس له، وهو أي وصف «الهياط» لحالة «التنمر» وصف موفق وصائب، لكن كلاهما مصطلح ممطوط يحتوي مبرراته ودعاماته من داخله، بمعنى أنه إذا كان «التنمر» لم يعد ذكوريًا فقط بل امتد للإناث كمزق في سلامة الأخلاق ليس من خلال الفعل فقط ولكن كثيرًا من الأحيان يظهر من اللسان أو حتى من الحركة أو الإيحاء الصامت ما يجعل تفنيده صعبًا للغاية في كثير من الحالات لعدم وضوح دلالته المادية، وبالطبع غاية الصعوبة أن تحكم على فهم حسّي أقل نفي له الجهل بالنيات والخفايا، كذلك الحال مع مصطلح «الهياط» فهو في أصله مدح واعتزاز، ومن يعارض ذلك أو يقلل من أحقيته كأنما يقلل من قيمة الموصوف وأحقيته بالتمجيد، فحين يمتدح شخص ما قبيلته أو فصيلته، فمن ذا الذي يجرؤ على نقده أو تقويم مبالغاته، بمعنى أن «الهياط والتنمُّر» حق وباطل في آن واحد، لا يكاد يستبين إلا حين تخرجه المبالغة عن الملتبس إلى الوضوح وهي حالات قليلة جدًا ويمكن طلسمته بالمبررات الواهية.
إن حالات «التنمُّر والهياط» موجودة في كل دول العالم وتصل إلى حد التفاخر بالإجرام والقتل والسرقة والاغتصاب، فهي بذرة الجهل والغرور حين يتلقحان في رحم الفوضى الأخلاقية. ومن الحق والإنصاف أن نحمد الله ونشكره على سلامة مجتمعنا الذي لم تصل به الحال إلى هذا الحد، ولكن للحق والإنصاف أيضاً صرنا نشاهد نموًا وصعودًا في «التنمر والهياط»، ولابد من وقفة جادة لضبط هذا السلوك وتهذيبه.
قد يكون ضبط وسائل الإعلام مقروءًا ومسموعًا ومشاهدًا أمرًا مهمًا، فالإعلام هو شيخ الظواهر وعميد السياق بل هو صوت ووجه العقل الجمعي للوطن، وتأطير ذلك وبسطه يحتاج إلى سعة كتاب، لكن الجيد في الأمر أن صنّاع الإعلام وأدواته هم من النخب الواعية المثقفة السهل جدًا استجابتها للزوم الضرورة البناءة متى عَزِمَ المجتمع على التخلص من تسويق الهش والمبتذل، على سبيل المثال بعض من مضامين المسلسلات المحلية التي تظهر الشخصية الوطنية بقالب مبتذل لاجتذاب الضحك البليد من مدخل نقد الظواهر السلبية بقالب مرح وجذاب يحفز المتلقي على التقليد والمحاكاة، وهذا جدًا أمر خطير كأنما سم بمذاق العسل، ويوازي ضبط وسائل الإعلام تغذية المناهج الدراسية الابتدائية والمتوسطة بعلم المنطق وعلم الأخلاق لتربية وتنمية السلوك الإيجابي المتمدن، وهي غاية في الأهمية ونفتقدها في مدارسنا، وتبقى متابعة ومراقبة النيابة العامة لحالات «التنمر والهياط» ظاهرة وواضحة بشكل يدعو للاطمئنان، لكن تفتيت وتفكيك خيوط هذه الحالات السلبية بين ما يمكن قبوله وما لا يمكن غاية في التعقيد لا علاقة للنيابة العامة في ظني بتفصيلها. لو رأى مجلس الشورى وقرر بشأن بعض المبالغات المتجاوزة حد المعقول كمثل تثمين حيوان بمئات الألوف أو ملايين الريالات لو قنن بمنزلة سفه يلزم الحجر على الفاعل أو فرض ضريبة على البائع والمشتري لربما استيقظت بعض العقول، وكذلك في حالات التباهي والتفاخر لو قنن بمنزلة جاهلية تستلزم التنبيه والتوجيه بطريقة عملية لا نظرية لحضر الوازع.