د. حسن بن فهد الهويمل
تقوم الحياة على صراعات متعددة: الدوافع, والغايات:-
- صراع من أجل البقاء.
- وصراع من أجل السيطرة, والكسب.
- وصراع فكري (أيديولوجي).
والكيانات السياسية بين مُؤَجِّجٍ, ومحايد. لا التأجيج, ولا الحياد خيار ممكن, قد تجد نفسك محباً للحياد, ولكنك لا تملكه.
غريبة هي الحياة, والأغرب منها أشياؤها: (رُفِعَتِ الأقْلامُ وجَفَّت الصُّحفُ), بما هو كائن إلى يوم القيامة.
القلق والخوف ناتجا ضعف الإيمان. قلت في تغريدة:-
(القلق والخوف لا يشغلان إلا المساحة الفارغة من الإيمان). وكلنا ذلك الرجل. المؤمن الحق عنده يقينٌ بأن كل شيء بمقدار, وأن القضاء والقدر نافذان, رضيت, أم سخطت, في النهاية:- «اعْمَلوا فَكُلٌّ مُيسَّر لِمَا خُلِقَ له», والدعاء يرد القضاء:- {وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَاب}.
السياسة (فن الممكن), بمعنى أن كل شيء متوقع فيها, ومنها. هي متقلبة, كالمرآة في كف الأشل, والمبادئ ثابتة.
(الكيانات السياسية) لها مبادئها, ولها مصالحها المشروعة, وغير المشروعة, وليس هناك ما يمنع من حراك المصالح, والمبادئ, كلٌّ في اتجاهه.
غير أن الصراع الحتم يراوح بين المتناقضات, بحيث تطغى المصالح على المبادئ, ثم لا يكون هناك خيار إلا الصدام, أو التسليم, وكلاهما خيار مُرّ.
عجبي من جهلة يتصورون المثالية في بعض الأحزاب, والطوائف, والمذاهب, وحتى في الأناسي؛ فيسلمون أمرهم ومواقفهم لهذا التصور العجيب, بحيث لا تستطيع ثنيهم عما هم عليه من تزكية زائفة.
قد تكون مبادئ الحزب مثالية على الورق, وقد تكون الشخصية في مظهرها مثالية, ولكن الممارسة تُصَدِّق, أو تكذِّب.
المتسطحون العاطفيون يسلمون لهذه الادعاءات العريضة, ولا يزايدون عليها.
قد تواجههم بالحقائق الدامغة, وحين يعييهم الجواب يعولون على مواقف الاضطرار, والخيارات المرحلية.
قلتُ لأحدهم, وقد أسرف في التزكية لمراده:- ما قولك في (الروافض المجوس) في عقيدتهم, وموقفهم من دولتك, وعلمائك, ومقدساتك.
قال :- هم شر الخلق.
قلت:- صاحبك, وحزبك المختار يواليهم, وينصرهم على أمتك, واستقرارك, وعقيدتك.
قال:- تلك مرحلة اضطرار.
لا أحد يُسَلِّم, ولا أحد يعترف. والعزاء في: من يجادل الله عنهم يوم القيامة.
في النهاية المصالح هي الحاكمة بأمرها, لا غير.
ومن ثم لا يجوز أن يكون رهانك على (المبادئ) إلا في النادر.
دعوى المثالية لا تخدع إلا العاطفي الأهوج, الذي لا يزن الأمور بميزان العدل, والعقل, والتجارب, والمعرفة, والحكمة.
الواقع المُرُّ يُسْقط رهانات المثاليات.
وأعود لأقول: دعونا من الادعاءات العريضة, وانغمسوا في الواقع لتروا حقيقية الأمور, وتدركوا أن خياركم في لحمتكم, وكيانكم, وأهل أمركم.
السياسة شئنا أم أبينا مع المصالح, ومَن أرادها على غير ذلك جرفته في دوامتها. ما أود الإشارة إليه التفاوت في تحقيق (المصالح).
هناك بقية من الشرف تحول دون الظلم, وتقمع الجشع, وتمنع التعدي السافر.
وهناك عهر أخلاقي, وتفسخ مقيت, وتعنت, وغطرسة في تحقيق المصالح, وركون إلى القوة, وتَحَدٍّ سافر للقيم, والحقوق.. بل هناك مواطأة, واتفاق بين القوى على فرض المصالح بالقوة. إنه الإرهاب الحقيقي المتقنع.
الله بالمرصاد, إليه الرجعى, وإليه المنتهى, فهو مُحَاسِبٌ, أو معاقب. ولا يمكن أن يهمل. يمهل, ويستدرج, ولكنه مع المظلوم عاجلاً, أو آجلا:-
(وعِزَّتي وجَلالِي لأنصُرَنَّك ولَوْ بَعْدَ حِين).
المهم أن يفر إليه المظلوم, وأن يستقيم كما أمر؛ لأن هناك عقاباً, وهناك ابتلاءً. والعَبْدُ بينهما. لا بد أن تغني الآيات, والنذر.. وأن توقظ في المظلوم نوازع الأوبة .
ما لا أوده التعاطف مع من باع قيمه من أجل مصالحه. لا بد من اتخاذ موقف عازم, جازم مع كل مَن ناصر أعداءنا, واستخف بمصالحنا, وسعى للوقيعة فينا كائناً من كان.
نحن كيان نمثل (أهل السنة والجماعة), نحمي المقدسات, ونطهرها, ونعمرها, نأمر بالمعروف, وننهى عن المنكر, ونحكم شرع الله، ونتصدر العالم الإسلامي, لا ندعي المثالية, ولا العصمة, ولا الامتياز ولكننا نتوفر على محققات الوجود الكريم. فمن نازعنا شيئًا من ذلك فقد وجب علينا تحديد موقفنا مِنْه, قولاً على الأقل, بغض النظر عن الدعاوي العريضة. نحن نعيش مرحلة عصيبة:-
(فإما حياة تسر الصديق ... وإما ممات يغيظ العدى)