أحمد المغلوث
لطالما سحرني بموسوعيته وثقافته منذ الصغر. وبدون مبالغة حتى بعبقريته.. وتواضعه وبساطته بالرغم من أنه حاصل على شهادات عليا من أمريكا، إلا أنه ما زال كما عرفته في الصبا، الإِنسان، الإنسان الحقيقي، إنه يشيه نخلة حساوية شامخة معطاءة، بتمرها اللذيذ، وأحاديثه التي تتدفق كمياه الأحساء العذبة لديه القدرة على الحديث. يشعرك بأنه ملم بالبلاغة وعلم المنطق. إنه يجعلك تصيخ السمع إليه وهو يتحدث عن الوطن وحبه وعشقه له، بل عبارته التي يرددها دائمًا، اثنان لا يمكن التفريط فيهما (الدين والوطن) وعندها تسأل نفسك أينهما عنه؟ أين الجامعات؟ أين مراكز الثقافة والأندية؟ أين أعمدة الصحف أكانت عربية أم أجنبية عن استكتابه والاستفادة من خبراته الأكاديمية والتدريسية في الخارج.. تشعر عندما يتحدث أنه لا يتحدث من فمه، بل من قلبه الكبير الذي بسعة الوطن. إنه البروفيسور «عبد الرحمن العصيل»، إنسان من هذه الأرض الطيبة، لكنه والحق يقال مختلف بتميزه، وفكره الوقاد.. وثقافته الواسعة بسعة العالم. عندما يتحدث عن التاريخ القديم تجده يسرده بصوته الخفيض وكأنه ما شاء الله عليه يقرأ من كتاب مفتوح أو من شاشة كمبيوترية أمامه. عندما زارني في معرضي الدائم في الأحساء الأسبوع الماضي فرحت به فرحة تلميذ تعلم من جامعة أستاذه. رحنا نتذاكر أيام التلمذة، وزمن الصبا والقراءات في تلك المجلدات وأوراقها الصفراء. وحتى تلك المجلات المصرية التي كانت تأتينا بعد أسابيع من صدورها وما زالت رائحتها المميزة تكاد تداعب أنوفنا.. ورحنا نتذاكر ونتضاحك ونحن نكاد نسمع أحد رواد مكتبتنا المشاركة وهو لا يطيب له القراءة إلا وهو يمشي ذهابًا وإيابًا في السطح وهو يردد عبارات ما كان يقرأه بصوته المبحوح.. وكاد مرة أن يسقط من الدرج.. لولا لطف الله ثم حبل الغسيل الذي تمسك به.. ولا يمكن أن ننسى كيف كنا نقرأ الروايات. والقصص والمجلات، تحت البطانيات، خوفًا من عتاب أمهاتنا أو خالاتنا اللواتي كنا يراقبننا، لننام مبكرًا. لنلحق بطابور الصباح.. ورحنا نتذكر كيف كنا جماعة مكتبة «السطح» نترقب الموعد الشهري لمناقشة ما كنا قد قرأناه طوال الأسابيع الماضية من كتب أو موضوعات حظيت باهتمامنا.. وإعجابنا. فهذه مقالات شدتنا حد الوله لجبران خليل جبران، أو عبارات ومقولات كتبها «مصطفى لطفي المنفلوطي... وعندما أخبرته هل تذكر يا أبا عبد اللطيف كيف فرحنا بأول صورة ملونة لأول إعلان ملن نشر في مجلة المختار عام 1956م وكان قد تم تصويره في إحدى عيون المياه بالأحساء وكان يحمل عبارة: (إلقاء حجر في بركة ماء) وكيف كان احتفاؤنا به كبيرًا، لقد تجول هذا العدد بين رواد مكتبتنا لمدة طويلة، وفي الأخير عاد مهترئًا. فاقدًا لغلافه ومع هذا ما زال الإعلان موجودًا وداخل العدد وفي مكتبتي.. حتى اليوم! وأخيرًا لأحب أن أذكر بالتحية زملاء مكتبة السطح وأمينها الأخ البروفيسور العصيل. ورحم الله من رحل منهم وأمد الله في أعمار من يعيش بيننا، متمنيًا لهم الصحة والعافية. وأنا واثق أنهم عندما يطالعون هذه الزاوية سيتذكرون زمن القراءات.. ورائحة الكتب والصحف والمجلات، وربما ابتسم بعضهم، وربما يذكرون أشياء تلاشت من ذاكرتي المتواضعة..