عبدالعزيز السماري
مقتل قاسم سليماني نهاية متكررة لزعماء العنجهية في المنطقة؛ فالسلوك المتعجرف سببه ذلك التعليم المهووس بالقتال والحرب في كل اتجاه، في حين أنهم يدركون أنهم لا يملكون من قواعد اللعبة العالمية ما يؤهلهم للقيام بهذه الأدوار العابرة للحدود.
مقتل سليماني جاء ليؤكد أنه تجاوز أدوار كان مسموحًا له أن يقوم بها، وعندما انحرف جاءته الضربة من حيث لا يدري. كذلك كان الحال مع الرئيس العراقي السابق، أو غيره من الزعامات المشحونة بالهوس وادعاء النصرة من السماء، وهم كُثر في تاريخنا الحديث..
مقتل سليماني صورة مكررة نتيجة للغطرسة والتلاعب بمشاعر الجماهير، والرغبة في الخروج بدور البطل الذي لا يُقهر، والخطيب المفوه والمحرك للجماهير، بينما قدراتهم التنموية والعسكرية أوهن من بيت العنكبوت، وليس لديهم ما يجعلهم يتصرفون بهذا السلوك المتعجرف في وجه قوى جبارة وحقيقية..
مقتل سليماني قد يكون نقطة تحول، وبداية مراحله إرجاع إيران وعملائها وأذنابها إلى داخل إيران بعد أن سُمح لهم بتجاوز الحدود والتلاعب بأمن الدول المجاورة. وقد يكون رسالة للعودة إلى الخطة المعدة سلفًا..
لا يمكن أن ينسى التاريخ ما فعله قاسم سليماني ونصر الله بالشعب السوري؛ فقد أسهما في إذكاء الطائفية، وقتل الأبرياء، والتلاعب بموازين الحكم في بلد متعدد الأعراق والطوائف؛ وذلك من أجل أن لا يصل سوري سُني لرئاسة الدولة..
ما تفعله الحكومة الإيرانية من خلال أيديولوجيتها المفرطة في الكراهية لا يمكن نسيانه؛ فقد أشعلوا النيران في المنطقة، وتدخّلوا في شؤون الآخرين، وفرّقوا بين فئات الشعب الواحد؛ والمشهد في العراق يكشف ذلك؛ فقد عُرف عن العراق ارتفاع مستوى التعايش، لكنهم أوقدوها بين أبناء العم، وما زالت مشتعلة..
مقتل قاسم سليماني لم يكن انتقامًا لهلاك مئات الآلاف من الأبرياء في سوريا واليمن نتيجة للتدخّل الإيراني وحرسها الثوري، ولم يكن أيضًا ردعًا لتدخّل إيران في العراق والخليج العربي، ولكن كان قرارًا أمريكيًّا خالصًا، هدفه إيقاف تجاوزات قاسمي للمصالح الأمريكية في المنطقة..
فهل يتعلم الإيرانيون الدرس جيدًا؟ فالتحليق وحيدًا خارج السرب، ونشر ثقافة العداء والكراهية ضد الجيران، هو الباب الأوسع لدخول المستعمر الأجنبي، والاستغلال الأهم للسيطرة على المنطقة من قِبل أصحاب المصالح الكبرى. فهل تدرك الآن أن الأيديولوجيا وأفكار الكراهية فشلت عبر التاريخ في توحيد المصالح؟..
المنطقة تعاني من مختلف أمراض الحضارة، وأبرزها الخطاب الطائفي البغيض. والتغيير هو الخطوة الأهم في خطاب إيران الحالي للتوحد ضد رغبة القوى العظمى لافتراس ثروات المنطقة. فهل تعقل إيران ذلك قبل فوات الأوان، وتعود إلى رشدها السياسي قبل حدوث الكارثة؟..