د. عيد بن مسعود الجهني
رغم أن البترول ينتج في أكثر من 100 دولة حول العالم وتواجه دولا عديدة صعوبات كثيرة لزيادة إنتاجها، بل وأصبح إنتاج بعض الدول يتناقص عاما بعد آخر، وتواجه دولا أخرى مشاكل عدة في العثور على النفط رغم حجم استثماراتها الكبيرة في مجال التنقيب والاستكشاف عن النفط، إلا أن دولا أخرى احتياطيها المؤكد يزداد عاما بعد آخر كدول الأوبك عامة ودول الخليج العربي خاصة التي تسبح على محيط واسع من النفط.
وفي القرن المنصرم والقرن الواحد والعشرين لم تستحوذ أية مادة أخرى على القدر نفسه من المحورية والأهمية كالتي استحوذ عليها النفط، خصوصا نفط الخليج العربي فنفوذ النفط وشريان قوته يتركز في الخليج العربي.. وأصبح نفطه يمثل السياسة والاقتصاد ويمثل الأحداث في العالم والشرق الأوسط.. يتحكم في الأحداث ويسخرها.
على الجانب الآخر أيضا أن الاكتشافات الأمريكية للزيت والغاز الصخريين لا تعني أن العالم قد يخرج من عباءة النفط التقليدي لأن عمليات الاستكشاف وتقويم الاحتياطي للزيت والغاز الصخريين خارج أمريكا ستأخذ وقتا طويلا، وتحتاج لاستثمارات كبيرة وبحوث جيولوجية متخصصة تثبت احتمال توفرهما تجاريا وتطويرهما وتأهيلهما للإنتاج، خصوصا أن الصورة ليست واضحة عن حجم الاحتياطيات العالمية من النفط الصخري رغم الاكتشافات المتطورة في دول مختلفة في العالم بلغ عددها (26) دولة.
ورغم أن الأوبك قابلت نجاحات وإخفاقات في مسيرتها إلا أنها استطاعت أن تغير مسار طريق سوق النفط الدولية، كونها اللاعب الأقوى والأهم في تلك السوق، وستبقى تلك الأهمية في العقود القادمة، فهذه المنظمة بالغة الأهمية تسيطر على أكبر احتياطي نفطي إذ يبلغ 81.89 في المئة من إجمالي الاحتياطي المؤكد عالميا، بينما للدول الأخرى والشركات النفطية الفتات الذي هو أقل من20 في المئة من الاحتياطي العالمي المؤكد.
الدول المنتجة للنفط خارج الأوبك ومعها شركات النفط العالمية لاعب رئيس في سوق النفط الدولية، إضافة إلى منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وتعاون الجميع بجلب مزيد من الاستقرار إلى السوق الدولية للبترول حيث أن هذه الدول كانت دائماً طرفاً مؤثراً في حرب الأسعار التي بدأت منذ عام 1986م.
في ذلك العام شهدت أسعار النفط انهياراً تاريخياً ألحق أضراراً جسيمة في اقتصاديات الدول المنتجة للنفط خاصة دول الخليج العربي التي يعتمد اقتصادها على النفط بنسبة ما بين 85 - 95 في المئة، وقد كان مطلع عام 1998 يمثل سيناريو آخر لمشكلة انهيار أسعار النفط الذي ألحق بدول الأوبك والدول خارجها وشركات النفط على السواء ضرراً بالغاً عندما هبطت الأسعار إلى حوالي عشرة دولارات للبرميل الواحد.
أوبك والمتعاونين معها ومن واقع حرصهم على استقرار سوق النفط الدولية ودعم أسعار عادلة للمنتجين والمستهلكين، عقدت الاجتماع الوزاري السابع لدول أوبك والمستقلين مطلع الشهر الماضي في مقر المنظمة في فيينا حيث تم الاتفاق على تخفيض الإنتاج بنحو 500 ألف ب/ي ليصبح مجموع خفض الإنتاج 1.700 مليون ب/ي إذ سبق للأوبك وحلفائها خفضه 1.2 مليون ب/ي .
هذا التخفيض الجديد سيسري مفعوله اعتبارا من أول شهر يناير 2020، ومن تتبع اجتماعات وزراء الأوبك والدول المتضامنة معها وفي مقدمتها روسيا صاحبة الإنتاج الكبير الذي تخطى عتبة الـ(10) ملايين ب/ي ليتساوى مع السعودية والولايات المتحدة الأمريكية في الإنتاج وإن كانت الأخيرة تخطى إنتاجها (12) مليون ب/ي إلا أنه ليس صاحب أثر كبير في سوق النفط الدولية كالإنتاج السعودي والروسي، فأمريكا تستهلك معظم إنتاجها، ناهيك أنها تستورد البترول من الدول الأخرى ومنها السعودي.. الخ.
الاجتماع الأخير يؤكد أن المنتجين لسلعة النفط في مقدمة اهتماماتهم خلق سوق نفطية مستقرة، يخرج من رحمها أسعار عادلة فليس من مصلحتهم أن يرتفع سعر النفط ليبلغ الثريا كما حدث قبل أزمة الكساد الاقتصادي العالمية التي هبت رياحها من على أرض بلاد العم سام عام 2008م.
ولذا فقد شهدت السوق الدولية للنفط تحسنا في الأسعار كسر خام برنت 68 دولارا مصحوبا باستقرارا معقول في الأسعار بعد اتفاق أعضاء النادي النفطي الجديد على خفض (500) ألف ب/ي، وستكون استجابة السوق أكثر وضوحا عند سريان مفعول قرار وزراء الأوبك وزملائهم من الدول خارجها.
ولا شك أن أسطورة الذهب الأسود الذي أشعل الدنيا كلها باعتبار أنه مادة هامة جدا تطال أهميتها جميع الأمم والدول غنيها وفقيرها ستبقى رهينة التعاون بين الأوبك والدول خارجها، ودعم بوصلة الحوار مع تلك الدول حاضرا ومستقبلا لتبقى هذه السلعة السحرية محافظة على أهميتها ومحققة أسعارا عادلة للمنتجين والمستهلكين لفترات أطول بعيدا عن التوقعات السعرية المفاجئة هبوطا وارتفاعا شديدين، وبذا تستطيع الدول المنتجة للنفط خاصة التي تعتمد ميزانياتها بنسب كبيرة على إيرادات البترول التحكم إلى حد كبير بتقدير حجم ميزانياتها لفترات أطول في ظل أسعار مستقرة.
والله ولي التوفيق،،،