تقوم كلمة الثقافة على الأثر الحضاري والإنساني لدى المجتمعات والأمم، هذا في نطاق تعريفها الواسع والشامل ولكن عندما يتم حصرها على مستوى الفرد فإنه يمكن أن نقول إنها عبارة عن حصيلة التعليم المتقدم يضاف إلى هذا الاستزادة المتواصلة في مجال الأدب والتاريخ والفلسفة واللغات التي تعد المحك الحقيقي في تكوين شخصية الفرد وعلاقته وتفاعله مع واقعه التي تجعله أحيانًا يكون نابغًٍا في أحد منها يشار إليه بالبنان.
فهل يمكن قول إن هذا موجود في واقعنا الذي نعيشه وخصوصًا فيما يتعلق بالفرد لدينا، بكل تأكيد نقول لا، فمع سطوت الإعلام صار هناك حقيقة مغايرة قلبت تلك المفاهيم الراسخة
والمعروفة منذ أمد، جعلت من الثقافة أو كلمة مثقف تعطى بشكل سخي من دون مراعاة لمعناها الصحيح، تأتي مبتزه تغرقنا في العجب والسخرية أحيانًا لكون من عانق لقبها لا يرتقى إلى درجتها فمجرد علاقة نفعيه أو ارتباط أسري، فانك ستجد نفسك أمام شخصية ما زالت أفكارها تعيش في نظام القبيلة تسعى إلى حب الظهور والبروز والبحث عن الشهرة والوجاهة الاجتماعية التي صارت اليوم موضة يتسابق عليها الجميع وبشكل محموم وصارخ من أجل ثقافة مزيفة التي تطل علينا بين فترة وأخرى عبر موضوعات ومقالات كتبت من قبل عقول مستأجرة جعلت من صاحبها يشعر بالزهو والفخر في كل لقاء أو مناسبة.
لقد أصبح الانتساب إلى الثقافة لدينا مثارًا للسخرية لكون أننا طوعنا هذا الانتساب وفق معرفتنا القاصرة التي لم تصل بعد إلى النضوج الفكري الثقافي الحقيقي، ولعل معاناتنا مع الشهادات العلمية المزيفة التي استمالت البعض في الماضي في الحصول عليها وخصوصًا حرف (الدال) ذلك البرواز الفاخر لمنظر قبيح خير مثال على حب الوجاهة الاجتماعية، إلا أنه انحسر قليلاً ولم يختف تمامًا بعدما تقدمت وسائل الاتصال والمعلومات يضاف إلى هذا وهو زيادة الاستنارة والاطلاع لدى المجتمع وان كانت بشكل غير مرضٍ لكنها في ازدياد.
فيجب نزع تلك الثقافة القشرية الهشة الضعيفة من الإعلام من خلال قنواته المتعددة وطرح الثقافة الحقيقية والرصينة المعتبرة التي تخرج من تمجيد الذات إلى التركيز على نتاج العقول المستنيرة المستحقة التي تبحث عن الإبداع بشكل دائم ومستمر.