ليس المقصود بالتسويف البرمجة المدروسة للمهمات غير المستعجلة لإنجازها متى سنحت الفرصة لاحقاً، فالمصطلح يتماشى أكثر مع الحالة التي يخفق فيها المرء بالالتزام مع ما يمليه المنطق ووضع حد لتأجيل المهمات بالغة الأهمية أو المستعجلة. بكلمة أخرى، في حال فكر المرء بتأجيل عمله، فأحس بانزعاج بسيط جداً أو حمله ذلك التفكير على القيام بصغائر الأمور، فمن المحتمل أن يسوّف ما هو مناط به عمله.
إنّ ثمة آثاراً سلبية تنجم عن نزعة المرء إلى تأجيل عمله، فالتسويف يفرض على صاحبه غرامة مالية، ويعود بالضرر على حالته الصحية، ويسيء للعلاقات الاجتماعية ويدمر مسيرته المهنية، إذ يؤدي التسويف على نطاق واسع إلى ضعضعة الحالة الصحية.
لقد نشأت عادة التسويف منذ أن وجد الجنس البشري، فبالنسبة للمجتمعات الزراعية فربما يعني تأخير زراعة المحصول وقوع الناس في المخمصة. وهكذا، فإن أسلافنا، ساووا بين التسويف والكسل.
أما الثورة الصناعية فقد يسرت السبل أمام اعتياد الناس على تأجيل الأعمال المهمة، إذ خفف التقدم التقني بعضاً من الضغوط الناجمة عن التغيّرات الاقتصادية العنيفة والمجاعات، إضافة إلى زيادة أوقات الفراغ، واستهلاك كميات كبيرة من السلع، وزيادة عدد الخيارات المتاحة أمام المرء لممارسة نشاطاته، كما وفر المجتمع المعاصر عدداً كبيراً من التسالي، لاسيما ألعاب الحاسوب، ومشاهدة التلفزيون، والمراسلة الإلكترونية - ولا داعي للتذكير بالسيارات والطائرات التي تأخذنا إلى مشاهدة مختلف الأماكن والقيام بشتى المقاصد - كل ذلك يغرينا كي نؤجل القيام بأعمالنا.
ويمكن للاستسلام لمثل هذه المتع أن يكون مكلّفاً. فقد قدّر الخبراء أن 40 في المائة من الناس يتكبدون خسائر مالية بسبب التسويف في بعض الظروف العصيبة.
ويمكن للتسويف أيضاً أن يلحق الأذى بالقطاع الصحي. في العام 2006 أفادت عالمة النفس فوشكيا سيرويس، من جامعة ويتسور، من خلال دراسة أجرتها على 254 شخصاً بالغاً أن المسوفين عرضة لاختبار مستويات أعلى من الشدة وللإصابة بوعكات صحية حادة أكثر من الأفراد الذين أتموا أعمالهم في حينها.
إن اشمئزاز المرء من العمل المناط به هو أحد المحرضات الرئيسة الخارجية، التي تجعله يؤخِّر إنجاز عمله.
وتتأثر النزعة التسويفية للمرء بالمدة الزمنية التي تفصله عن موعد تنفيذ ما خطّط للقيام به، فعادةً ما يميل الناس إلى التواني في أعمالهم عندما يجدون أن الموعد النهائي لتنفيذها لا يزال بعيداً، ومرد هذا الأمر يرجع إلى ظاهرة تعرف باسم التأخر الزمني، الذي يعني أنه كلما اقترب حصول المرء على المكافأة (أو إحساسه بتحقيق الإنجاز) ازدادت قيمة المكافأة في نفسه، ولذلك يضعف احتمال أن يؤجل إتمام العمل المطلوب إنجازه.
في نهاية القرن الماضي بدأ علماء النفس بدراسة ما يُسمى بالسمات الشخصية الخمس الرئيسة التي تتمازج مع بعضها لتشكِّل خصال المرء، وهي: صفة الضمير الحي وصفة الرضا (القناعة) وصفة العصابية وصفة الانفتاح وصفة الانبساط حسب رأي ستيل.
وأكثر تلك المزايا وضوحاً في علاقتها مع التسويف هي صفة الضمير الحي.
فالمرء الذي الذي يتمتع بضمير حي هو إنسان ملتزم بأداء واجباته، ومنظّم في ترتيب شؤونه، ومجد في عمله. وبناءً على ذلك، فالشخص عديم الضمير عنده استعداد عال للتأجيل، كما أن الشخص المتهور يعد إنساناً مسوّفاً دون حساب للمخاطر.
إنّ ثمة عنصرين أساسين يقفان وراء دافع عدم إنجاز الأعمال في وقتها هما شعور المرء بصعوبة أداء أحد الأعمال، ورغبته في تفادي الانزعاج المتولّد عن أداء ذلك العمل.
جدير بالذكر أن هناك تفسيراً ثالثاً لتأجيل الأعمال دون سبب منطقي هو الاستثارة فـ(المسوف الاستثاري) يؤكّد أنه يؤدي عمله بشكل أمثل عندما يقع تحت ضغط العمل.
غير أن المختص في علم الاجتماع إينجو لي، من جامعة هالا، يرى أن التأجيل لا يؤدي إلى جعل أداء المهمة حافلاً بالإثارة.
وعلى العموم فالمسوّفون هم أفراد واعون لأنفسهم، إذ يشعرون بالاضطراب بسبب إرجاء أعمالهم.
ويمكن لجدولة الأعمال بشكل حاذق أن تحول دون تأجيلها.