د. خيرية السقاف
تماماً كمحدثي النعمة، ما إن تهطل عليهم سُحبها ينتشون، ينفضون عنهم أردية الفاقة، والقلة، والعوز ويقفون..
ثم ينصبون هاماتهم، يدكُّون الأرض بأقدامهم، يثيرون الأغبرة في وجوه من، وما حولهم..
يوظفون الأبواق والطبول تزفهم حيث يذهبون، ومتى يغدون.. يجلبون الأضواء والضوضاء حولهم..!!
فمحدث النعمة مالا يكثر من صقل مظاهره، ويثقل من أوزان أرديته، وبريق زينته، معاصمه، وأعناقه، ومنازله، ومركباته..
يكثر من السفر، والادخار، والصرف، والقائمين بأعماله.. يجمع له مع المال الصيت، والشهرة!!..
لكنه على أية حال ليس الغني المستغني، ولا الواعي المستكفي..
وفي كل طفرة ينمو هذا النوع من محدثي النعمة..
فمحدثو نعمة هذه الطفرة هم مستخدمو وسائل الاتصال والتواصل..
تيسرت لهم السرعة والحضور، والحرية وسبل التعبير، فتراكضوا يتناكبون،
وفي كل أمر يخوضون، وعن كل شأن يتحدثون،
ولهم في كل لحظة شكل ولون..
تُرى إلى أين سيذهبون؟
وبضاعتهم من المعرفة خَشاشاً، ومرجعيتهم من العلم لماماً،
نفوسهم شتى، وقلوبهم هوى..
ما لا يعلمون بحماسهم فيه يخوضون، ولما لا يستحقون بجهلهم عليه يتنافسون..
فالتاريخ ابتسروه، والواقع شوّهوه، والقريب ظلموه، والبعيد قرَّبوه، والصفيح أغلوه، والوضيع رفعوه، والعزيز أهانوه،
وحتى المستنقع خاضوه..
محدثو التواصل والاتصال أشد فتكاً بالعقول، وبالنفوس، وبالحقائق، وبالمفاهيم، وبالأفكار، وبالأخبار..
هم ليسوا ذوي هوية واحدة، فمن كل قطر في الدنيا يتكونون..
قريتهم الصغيرة التي جمعت شملهم ألقتهم في فوهة بركان، وتركتهم في حممه يسيحون..
فسلام على عمق المعرفة، ونصاعة الحقيقة، ووعي العقول، ونزاهة الضمائر، وقِوام التنشئة، وأمان الأخلاق، وسمو الإبداع، وبراح المخيلات، وصدق الحديث عند هؤلاء الكثرة الغالبة..
سلام على النِّعم من محدثيها هؤلاء..