محمد سليمان العنقري
لعله السؤال الأهم الذي طرح نفسه في الأيام الأولى من العام الجديد، فقبل أن ينتهي الأسبوع الأول منه تصاعدت الأزمة في الشرق الأوسط بين أميركا وإيران، بعد أن تم الرد على استفزازات طهران لأميركا بالعراق، والتي كانت نتيجتها قتل قاسم سليماني العقل المدبر لملف إيران التوسعي الخارجي والمسؤول عن كل ما قامت به إيران من تدخل بشؤون دول المنطقة وزعزعة استقرارها وتنفيذ أعمال تخريبية فيها، فهو يُعدُّ الرجل الثاني في إيران بعد المرشد خامنئي، ومقتله يمثل ضربة قاصمة للنظام الإيراني لن يستفيق منها، وأهمية هذا الرجل تظهر من خلال التهديد والوعيد بردود انتقامية من قبل قادة إيران لمقتله.
فهذا المشهد المتأزم جداً بالشرق الأوسط حوَّل الأنظار نحو أسواق المال الإقليمية والعالمية، وذلك لمحاولة معرفة ماذا سيحدث في الفترة القادمة، وما التأثير المحتمل على اتجاه الأسواق؟ فبعد مقتل سليماني ارتفعت أسعار النفط بنحو 4 % لتتجاوز 68 دولارًا للبرميل، وارتفع كذلك سعر أونصة الذهب لأكثر من 1550 دولار أميركي، بينما هبطت أسواق الأسهم الأميركية بما يقارب 1 %، فما حدث من تباين باتجاهات أسواق المال والسلع متوقع حيث يخشى المتعاملون من أن تتصاعد الأزمة ويكون رد إيران سبباً لإشعال حرب بالمنطقة، لذلك ارتفعت أسعار النفط وهبطت أسواق الأسهم، فالأزمة في أكثر مناطق العالم حساسيةً حيث يتم تصدير قرابة 20 % من نفط العالم عبر مضيق هرمز، وأي تأثير على إمدادات الطاقة سيكون انعكاسه سريعاً بقفزة كبيرة بأسعار النفط لا يمكن توقع ما السعر الذي يمكن أن تصل له الأسعار، فما سيحددها هو إلى أي مدى ستصل المواجهة بين أميركا وإيران.
وبالعودة لأسواق المال تحديداً في منطقتنا، فإن معرفة اتجاه الأسواق في الفترة القادمة مرهون بكل تأكيد بالأزمة السياسية، وأين ستصل المواجهة بين الطرفين، ولكن حركة الأسواق في نهاية المطاف لابد أن تحددها العوامل الأساسية وما يطرأ عليها من تغيير، ففي الأسبوع الماضي كتبت مقالاً بعنوان «2020 عام المحطات الاقتصادية المفصلية»، والذي ذكرت فيه أن عوامل عديدة ستكون إيجابية بمجملها من حيث تأثيرها الاقتصادي إلا أن التحدي سيكون من تطور الأحداث الجيوسياسية بشكل أساسي، وقد يكون مقتل سليماني من بداية العام الحالي يعطي عنواناً صريحاً بأن الأحداث السياسية هي التي ستمثل التحدي أمام النمو الاقتصادي في المنطقة، وكذلك حركة أسواق المال التي قد تشهد تقلبات في الفترة القصيرة القادمة.
لكن ما يبدو واضحاً هو أن إيران لن تتمكن من القيام بأي تصعيد اتجاه أميركا، فتكافؤ القوة بينهم معدوم، والغلبة والتقدم التكنولوجي لصالح أميركا، كما أن عملية قتل سليماني هي ليست فقط رسالة لإيران بأن زمن نشر الدمار والفتن وتقويض استقرار المنطقة بدأت نهايته بل هي إشارة لتغيير قواعد اللعبة، وأن مرحلة جديدة ستدخلها المنطقة سيكون نتاجها عودة الاستقرار والهدوء بعد أن يتم استكمال ملف إعادة إيران لداخل حدودها، وبمعنى آخر أن هذه الأحداث السياسية ستكون غالباً عابرة وذات تأثير مؤقت وقصير جداً على أسواق المال، فأي تهور من إيران سيقابل برد كبير جداً من أميركا ومن دول التحالف ضد الإرهاب، ولذلك فإن الأسواق ستعود للأساسيات الاقتصادية من جديد والتي في أغلبها جيدة وذات أثر إيجابي متوقع على الأسواق التي عادة لا تغير اتجاهها على المدى المتوسط والطويل تبعاً لأي حدث مؤقت أو طارئ لا يحدث تغييراً جذرياً بالأساسيات الاقتصادية.
من الواضح أن المنطقة ستشهد المزيد من التوتر لكن مع فارق القوة بين أميركا وإيران وعدم الإقدام من قبل أميركا على قتل قيادات محسوبة على إيران دون أن تكون قد وضعت فعلياً كل الاحتمالات للرد الإيراني بعين الاعتبار، فما سينتج عن هذه الأزمة هو توجه إيراني للتفاوض لأنها لن تستطيع تحمل الحصار الاقتصادي عبر العقوبات المشددة التي طبقتها أميركا عليها، وكذلك قتل قياداتها بالمنطقة مما سيعجل بانهيار أذرعها التي تنشر الفوضى من خلالها وتعطيها المجال للتدخل بشؤون الدول مما يعني أن العامل السياسي سيتلاشى تأثيره قريباً ويبقى للعوامل الاقتصادية الدور بالتأثير المتوسط والبعيد المدى على اتجاه الأسواق المالية خصوصاً بمنطقتنا والخليج العربي تحديداً.