د. حمزة السالم
تمر الأمم خلال مراحل أعمارها بفترات صعود وهبوط. ونحن في عصر ليس كالعصور السابقة. فلم يشهد التاريخ من قبل عصراً تتغير فيه المعطيات والأحوال بسرعة زمنية قصيرة كعصرنا الحالي تجعل من المُنظر الحكيم حيران، وذلك أنه لا يستطيع قياس الأزمات الماضية بالأزمات الحالية لاختلاف الأحوال والمعطيات وزيادة تعقيداتها وتداخلاتها. ومن ذلك اختلاف مسببات طفرة الستينات عن طفرة الثمانينيات عن التسعينات عن طفرة الألفية، ومعطيات تلك الطفرات عن الطفرة القادمة في أمور جوهرية. فيستلزم على المُشرع المُنظر أن يتعامل مع كل طفرة بمسبباتها ومعطياتها الحديثة، لا بمسببات ومعطيات الطفرة السابقة. وبناءً على ذلك الاختلاف للمقدمات فلا بد أن نتوقع اختلافاً جوهرياً لنهايات الطفرات المستقبلية، عن النهايات التي أُسدل عليها الستار في الطفرات السابقة.
فمثلا: ارتفاع أسعار النفط في السبعينات، كان جانب العرض، فقطع النفط مع عدم وجود مخزونات استراتيجية للنفط في دول الغرب آنذاك، وأزمة الرهائن الأمريكية في إيران عام 1980م، مع استمرار الحرب الباردة أشعل فتيل ارتفاع أسعار النفط، فأعطى النفط قيمته الحقيقية لحين من الزمن ما لبث أن تولى بزوال الأسباب المسببة له. وأما ارتفاع أسعاره في الألفية فكان من باب الطلب. فدخول المارد الصيني والعملاق الهندي ودول شرق آسيا، إلى مضمار سباق النمو والتطور العالمي أشعل فتيل ارتفاع أسعار النفط، ولن ينطفئ هذا الفتيل إلا بخروج هذين المنافسين العنيدين من الحلبة العالمية لسباق النمو والتطور. فهل يُتصور هذا السيناريو تحت الظروف الطبيعية؟
ومثل ثاني: التضخم الذي ضرب في بلادنا بعد 1973م، يختلف جوهرياً عن التضخم الذي بدأ في بلادنا بعد 2004م. فطفرة السبعينيات نقلت الدولة والشعب من الفقر إلى الغنى نقلة واسعة مفاجئة لم تكن في الحسبان. فتطلعت همم الدولة والشعب إلى مستوى معيشي راق اصطدم بقلة المعرفة والعلم في تلك الفترة مقترناً بانعدام البنية التحتية: مما خلق زجاجة، عنقها في بلادنا. فالطلب على السلع والخدمات قد ارتفع ارتفاعاً جنونياً داخل البلاد، والعرض متوافر ولكنه خارج البلاد. فما أن بُنيت الموانئ والبنية التحتية وقطع عنق الزجاجة حتى توافرت البضائع ورخصت أسعار السلع. فالأسعار كالبحر إذا ارتفعت موجة عادت وانخفضت لتتساوى مع مستوى البحر طالما أن طريق التجارة مفتوح. وبعد أن استوعب الناس هذه الثروة انفجرت فقاعة الأراضي وتراجعت أسعارها إلى مستوى طبيعي، ليس إلى ما قبل الطفرة الأولى، ولكن إلى ما يتناسب مع الوضع المالي الجديد للمملكة كأعظم مصدر لأهم سلعة عرفها التاريخ.
وأما التضخم بعد 2004م، فالجزء الأكبر والمؤثر منه كان بسبب ارتفاع الطلب العالمي على جميع السلع والخدمات، فهو إذا تضخم عالمي. فليس هناك موجة مرتفعة، بل بحر الأسعار قد ارتفع شرقه وغربه. وأما الجزء الثاني فهو التضخم المحلي، وهو جزء قليل من عموم التضخم. وسببه آنذاك، توقعات الناس بالغنى المستقبلي، مما انعكس على أسعار الأراضي، بداية. وثم جاءت الأسهم لتسحب السيولة من الأراضي، ولتأتي انفجار فقاعة الأسهم- لتأكل مدخرات الناس السابقة وتمتص أموالهم المستقبلية عن طريق الديون- مما أضاع أثر الثروة الذي آتت به الطفرة النفطية الثانية، على المستوى الشعبي، وذلك بعكس الطفرة الأولى.