دحام الجفران العنزي
الحراك السياسي والاقتصادي السعودي ضمن رؤية 2030 صنع تحولات كبيرة وكثيرة وآفاقًا جديدة وتعزيز وتنويع العلاقات الإستراتيجية شرقًا وغربًا، يهدف إلى خلق مستقبل أكثر إشراقًا متضمنًا اقتصادًا سعوديًا أقوى ومكانة سياسية تليق بقدرات السعودية الجديدة وضمن هذا المشروع الكبير الذي يقوده ولي العهد تحولت المملكة إلى ورشة عمل لا تهدأ تسابق الزمن في اتجاه العالم الأول بل وبأحلام وطموحات ربما لتنافس هذا العالم الأول كما نسميه من خلال تلك البرامج الكثيرة المحققة للرؤية. البوصلة السعودية في خضم المتغيرات السياسية والاقتصادية العالمية لم تتجه إلى بكين عبثًا بل نتيجة دراسات معمقة فالصين هي المستورد الأكبر في العالم للطاقة والسعودية هي المصدر الأكبر في العالم أيضًا لهذه الطاقة كما أدركت السعودية برأيي أنه من غير الحكمة الرهان على العلاقة التقليدية مع الحليف الأمريكي في ظل عالم يتجه بسرعة لتعدد الأقطاب وتكون الدراسات تؤكد أن الصين بحلول 2030 ستكون القوة الأكبر عالميًا لذلك بدأ التحول سريعًا واتجاه البوصلة ناحية الشرق وتحديدًا جمهورية الصين الشعبية. لخلق جيل سعودي متناغم مع هذا التحول الإستراتيجي فقد بدأت السعودية في تدريس اللغة الصينية في مدارسها منذ المرحلة الابتدائية. وصل التبادل التجاري بين البلدين مؤخرًا إلى ما يصل للثمانين مليار دولار تقريبًا وهذا رقم لا يستهان به في بداية هذه الشراكة الإستراتيجية وهذا التحول نحو الشرق. ولكون السعودية بيئة جاذبة للاستثمار فإن الشركات الصينية بدأت تقتطع حصصًا لا بأس بها ضمن تلك المشروعات الجبارة التي تنخرط فيها الجغرافيا السعودية حاليًا وكذلك استثمارات الشركات السعودية الكبرى كأرامكو وغيرها في مجالات اهتمامها في مقاطعات الصين المختلفة. الصين تستثمر في جميع الصناعات المستقبلية بل قاربت على الاستحواذ عليها كالطاقة البديلة والروبوتس والدرونز والذكاء الاصطناعي واعتقد أن هناك دورًا مهمًا للإعلام الصيني والسعودي في العمل على الإسهام في هذا التقارب ونقل ثقافة الآخر لمزيد من المعرفة والعلم والإحاطة بكل جوانب الحياة للشعبين والثقافتين والحضارتين.
الاتفاقيات والتفاهمات بين البلدين برأيي أسهمت أيضًا في سرعة هذا التقارب، فقد تضمنت فرصًا في الاستثمار الصناعي والبنى التحتية واكتشاف القمر وصناعة الطائرات دون طيار والطاقة الإنتاجية والتعليم والأمان النووي وهيئات الإذاعة والتلفزيون والمفاعلات النووية عالية الحرارة والبتروكيماويات وتقنية الاتصالات والتكرير والتسويق والمدن الذكية وغيرها الكثير والكثير وبرأيي أن تعزيز التعاون الأمني بين البلدين من الأهمية بمكان لا يقل عن المجال السياسي والاقتصادي. وخصوصًا أن الصين تمتلك منظومة عسكرية متطورة مرشحة لتجاوز أمريكا وأوروبا في المستقبل القريب.
الصين عملاق المستقبل ونحتاج لإعادة بعث العلاقة العسكرية التي ولدت برياح الشرق تلك الصواريخ الإستراتيجية التي وصلت الرياض حتى قبل اكتمال العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في الثمانينيات الميلادية. وجود بكين كحليف مهم جدا، وأنا سعيد جدًا بهذا التقارب المتسارع ومرتاح لاتجاه بوصلة الرياض إلى عاصمة الصين ويجد هذا التحول قبولاً شعبيًا كبيرًا وتفاعلاً أكبر فبإمكان الرياض وبكين أن تصنعا الفرق في المعادلة الدولية. السفير الصيني السيد لي هوا شين يبذل جهودًا مشكورة ورائعة، وبالتأكيد أن سفيرنا هناك يفعل الشيء نفسه. اعتقد أن الرياض وبكين ضمانة كافية لمستقبل أمن العالم، بل الإسهام في صناعة الأمن والسلام الدوليين لما تمتلك الدولتان من إمكانات ولا يفوتني أن أذكر أن أكبر عدد من السياح الذين قدموا للسعودية بعد تفعيل تأشيرات السياحة هم من الصينيين وهذا مؤشر آخر ومهم. الصين والسعودية برأيي سيصنعان المستقبل وهذا لا يعني أن نبتعد كثيرًا عن الغرب ولكن برأيي الشرق حليف مهم وبيننا تاريخ مشترك.