سلمان بن محمد العُمري
ما إن تسمع بأخبار إصلاح من جماعة وأفراد إلا وتسعد وتستر وتبتهج وتدعو للطرفين بالبركة والتوفيق، وتدعو لمن كان سببًا في هذا الصلح.
وهذا الأمر فطري لدى الجميع ولكن لدى المسلمين لا يرتكز على فطرة الإنسان وجبلته الأصلية وهي محبة الخير بل يزيد على ذلك أنه من باب الإيمان وكماله انطلاقًا من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
وتمني الخير للغير هو من شيم النفوس الصالحة المؤمنة التقية النقية، ومن كان خلاف ذلك من المسلمين ففي قلبه وإيمانه خلل.
وقد سعدت بحضور مجلس لأحد المشايخ الفضلاء دعا إليه مجموعة من أهل العلم والفضل تكريماً لأحد الرجال من ذوي الشهامة الذي آثر صلة الرحم والبر بوالده على المشاحنات والخلافات، وكان لصاحب الدعوة فضل بعد الله عز وجل في تحقيق المصالحة وتنازل الرجل عن كثير من حقوقه حفاظًا على حق الإخوة ورجاء ما عند الله عز وجل حينما قال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (1) سورة الأنفال».
وهذا الصلح وما يقع من أمثاله فيه بإذن الله خير عظيم من لدن ربنا الرحمن الرحيم لما فيه من طاعته وامتثال لأمر الله عز وجل وما فيه من قطع للمنازعات والخصومات والخلاف بين الناس ولا سيما إذا كانوا من الأقارب وذوي الرحم.
لقد قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخوة فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (10) سورة الحجرات، فبالإصلاح تزول الشحناء بين القرابات والشركاء والجيران وغيرهم، وتزول البغضاء والعداوات، ولهذا فقد اهتم الإسلام بإصلاح ذات البين، ومر علينا قبل قليل بعض الآيات الكريمة.
والمصلح بين الناس له أجر عظيم لا يقل عن أجر من قبلوا بالصلح بل يفوق أجره أجر الصائم القائم.
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟) قالوا: بلى، قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين، وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي أيوب رضي الله عنه أيضًا: إلا أدلك على تجارة؟ قال: بلى، قال: صل بين الناس إذا تفاسدوا، وقرب بينهم إذا تباعدوا، وقال صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب أيضًا، ألا أدلك على صدقة يحب الله موضعها، قال قلت بأبي أنت وأمي قال: تصلح بين الناس فإنها صدقة يحب الله موضعها.
هكذا أبان رسول الأمة عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم مما في الإصلاح بين الناس من الأجر العظيم.
والأجمل من ذلك أن يسعى المتخاصمان أو أحدهما بإقدامه للصلح قبل أن يسعى أحد للإصلاح بينه وبين من خاصمه فبالصلح يتحقق الأمن والطمأنينة وكمال الإيمان ويتحقق للطرفين سلامة الصدر من كل غل وضغينة وعلى كل طرف أن يلين ويقبل عذر أخيه، وإن رفض الاعتذار من أي طرف خطأ عظيم يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: «من أعتذر إليه فلم يقبل، لم يرد على الحوض». ولا شك أن بعض الناس غلاظ جفاة يأخذون ولا يعطون ويزين لهم الشيطان ما هم عليه.
إن للمصلحين بين الناس فضلاً وأجرًا عظيمًا كما هو لطرفي النزاع والخلاف والعمل على الإصلاح والتناصح من أبواب تحقيق المنافع ودفع المفاسد وسبيل لجمع القلوب واتحاد الكلمة ونبذ الفرقة، وباب كبير من أبواب التعاون على البر والتقوى، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (2) سورة المائدة.
إن كل مجتمع صغيرًا كان أم كبيرًا بحاجة إلى الحكماء من ذوي الرأي السديد والأمر الرشيد الذين يسعون للإصلاح بين الناس ويعملون على إذابة الخلافات وكف الخصومات وتحقيق الوئام وإزالة الكراهية والبغض والأحقاد والضغائن بالكلمة الهادفة والنصيحة الصادقة ابتغاء ما عند الله عز وجل، وصدق المولى عز وجل: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إلا مَنْ أمر بِصَدَقَةٍ أو مَعْرُوفٍ أو إصلاح بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (114) سورة النساء.