في يوم الاثنين: 19/4/1441هـ وفي محافظة الرس الغالية كانت مناسبة علمية تربوية كبيرة تشرّفنا بحضورها برعاية صاحب السمو الملكي أمير القصيم وأبناء الوجيه حمد بن منصور المالك رحمه الله وحضور غفير من وجهاء المجتمع ورجال التعليم في محافظة الرس وهي (جائزة الشيخ حمد بن منصور المالك) التي يرعاها أبناؤه البررة وفاء لوالدهم صاحب المجد والوفاء الذي كان في حياته راعيا أساسا لبلدته الغالية على نفسه, حيث كان يرعاها بحبّه وعمله الدؤوب وإخلاصه لأهل الرس الكرام, وهاهو الآن يرعاها بعد وفاته بتحفيز الميدان التعليمي والإداري ليرتقي هذا الميدان نحو التميّز والتفوّق العلمي بإبراز منجزاته والسير نحو التطوّر.
وصاحب الجائزة: هو الوجيه حمد بن منصور بن دخيل بن حمد بن مالك. ولد في الرس عام 1312هـ وتربى فيها على يد والده منصور بن دخيل في بيت من بيوت الكرم والجود والمركز التجاري والاجتماعي المرموق. وهو سليل أسرة كريمة فاضلة معروفة بالجود والخير والمعروف تؤديه لكل الناس في الرس وغيرها. وكان الشيخ حمد رجل كرم ومعروف يعرفه الجميع ويحتاجه الجميع ويثنون عليه وعلى أعماله الخيريّة لأهل بلدته. وكان يقوم على شئونهم ويبذل المعروف للكبير والصغير والأمير والفقير وذوي الحاجة.
أبوه منصور بن دخيل بن حمد بن مالك ذو جود وكرم عاش حياته في الرس يعمل في التجارة ويتعامل مع أقرانه على مستوى منطقة القصيم، وجَدّه حمد بن مالك بن رسيس هو أحد ثلاثة من أهل الرس اختارهم الإمام عبدالله بن سعود عام 1232هـ لمشاركة أهل الرس في فك حصار إبراهيم باشا عنها فقام بالمهمة بجدارة.
وكان حمد بن منصور قد اشتهر في عهد الملك عبدالعزيز بالكرم والجود والتجارة اختاره الملك عبدالعزيز مع مجموعة من أهل الرس ليكون أحد أعيانها فكان من أهل الحل والعقد فيها. ارتبط مع عدد من الأمراء والوزراء والوجهاء في منطقة القصيم وغيرها بصداقات قوية، كما كان على علاقة ومحبة مع أمير الرس عساف الحسين ومع مجموعة من العلماء ورجال الدولة، وكان في زمنه يقوم بتأمين ما يحتاجه أهل الرس من المواد الغذائية وتأمين ما تحتاجه حكومتنا في المناسبات في السلم والحرب. وكان حمد بن مالك يفتح منزله لكل من يقصد الرس من الزوّار والوافدين إلى الرس ويقوم بإكرامهم حتى اشتهر فيها بأنه مقصد الضيوف أثنى عليه كل من عرفه. حتى توفي فخلفه أبناؤه الكرام.
وهو الذي طالب بافتتاح أول مدرسة ابتدائية في الرس حتى تحقق ذلك بافتتاح المدرسة السعودية عام 1363هـ، وأشاد مدير المدرسة الأستاذ عبدالله العرفج بدوره في ذلك كثيرا ومما قال فيه:
فشكرا سيدي شكرا
أبا إبراهيم لا نكرا
بك الأخبار قد طارت
وقد نلنا بك الفخرا
وقد قابلت الأستاذ عبدالله بن عبدالرحمن العرفج في منزله في عنيزة يوم: 22/4/1425هـ وقال لي متحدثا عن جهود حمد المالك في إنشاء المدرسة: أما الشيخ حمد المالك فكان في حركة دائبة واهتمام كبير نحو المدرسة وإعداد المبنى وتوفير جميع ما تعهد بتوفيره فيه من غرف ومرافق أخرى... واستمر الشيخ حمد المنصور المالك يرعى المدرسة السعودية في نشاط ومثابرة وعمل دائب وعطاء كريم بعد افتتاحها يوم: يوم: 8/10/1363هـ حيث يزورها من حين لآخر ويسأل ويناقش سؤال المتابع ومناقشة الحريص على نجاحها وتميّزها. ثم يقول لي الأستاذ عبدالله العرفج عن قصة افتتاحها: أرسلت مديرية المعارف برقية للشيخ صالح بن صالح ليبلّغني باختياري لأقوم بافتتاح مدرسة الرس، فعزمت على السفر من عنيزة إلى الرس مع الجَمّال (حمد العرزون) ظُهر أحد أيام رمضان عام 1363هـ ووصلت إلى الرس بعد غروب شمس ذلك اليوم واستقبلني الوجيه حمد المالك الذي هيأ له سكنا وأخذنا نبحث عن مقر مناسب للمدرسة، وتم استئجار منزل المواطن سليمان بن عبدالله الخليوي في رمضان عام 1363هـ وقد اختار لها اسم (المدرسة السعودية).
كما اهتم بافتتاح المدرسة العسكرية بالرس عام 1373هـ وقدّم أبناؤه نواة لطلاب تلك المدرسة وفداء للوطن، وأثنى عليه كثيرا قائد المدرسة العسكرية الفريق سليمان بن علي الماضي. وقال لي سعادته عند زيارته في منزله بالرياض يوم: 8/5/1425هـ: أمر الملك عبدالعزيز بإنشاء مجموعة من المدارس العسكرية في القصيم وتم تعييني قائد المدرسة العسكرية في الرس وأنا برتبة نقيب حيث وصلت إلى مدينة الرس واستقبلني الوجيه حمد بن منصور المالك وأخذ بالتعاون معي في البحث عن مقر للمدرسة بمساعدة بعض أعيان الرس فوقع الاختيار على منزل أمير الرس حسين العساف ليكون مقرا للمدرسة ويقع جهة الشرق من المدينة حيث يتوفر فيه بئر ماء وميادين واسعة للتدريب ودورات للمياه ومكاتب وفصول دراسية واسعة ومضاجع للطلاب ومستودعات كافية. وتقبل المدرسة العسكرية للدراسة فيها من يحملون شهادة الصف الثالث الابتدائي، ويدرسون فيها لمدة عامين دراسيين في العلوم العسكرية والتدريب مع ما يدرسونه من مواد نظرية عامة موافقة للمواد التي تقررها وزارة المعارف، يتم بعدها تأهيلهم للحياة العسكرية في قطاعاتها المختلفة.
وتستمر فضائل حمد المالك على بلدة الرس وأهلها, حيث قام مع مجموعة من أهل الرس بطلب إلى أمير منطقة القصيم عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد بطلب الموافقة على إقطاعهم الأرض التي تقع شمال البلدة من بداية السور الشمالي شمال (باب الخلا) ومقصورة المقبرة ليقوموا بتخطيطها وبيعها على أهل الرس وتكون منفعتها لإنشاء سوق تجاري وعمارة المساجد وتوسعة المقبرة وجلب الماء للبلدة. فجاء خطاب أمير منطقة القصيم بالموافقة وهذا نصّه (بسم الله الرحمن الرحيم: من عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد إلى جناب المكرم وكيل أمارة الرس. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: وبعد فقد طلب منا حمد المالك وجماعة أهل الرس إقطاعهم الأرض الحرّة الكائنة شمال الرس من أجل استغلالها في مصالح البلد كتحويط على مصلّى العيد والمقبرة وعمارة مسجدين وتوسيع مسجد الجامع وجلب الماء وغير ذلك مما يعود بالمصلحة على البلد فأنتم إن شاء الله أفيدونا عن مصالح البلد التي ستصرف لها قيمة الأرض المذكورة وهل ما ذكر ابن مالك والجماعة صحيح وعجلوا بالجواب علينا بارك الله فيكم هذا ما لزم تعريفه والسلام 9/1/1373هـ).
بعدها قام حمد المالك والجماعة بتخطيط الأرض وبيعها عدد من الأهالي واستلام المبالغ وقدرها (23845) ريالا. وقد تم استغلال المبلغ لتطوير البلدة.
وكان الوجيه حمد بن منصور المالك رحمه الله يتصف بالكرم والجود والسخاء وكان مقصدا لكل أهل الحاجات في الرس وغيرها حتى توفي رحمه الله يوم الاثنين الموافق 2/7/1402هـ.
أثنى عليه مجموعة من الكُتّاب والشعراء في حياته وبعد وفاته، قال الشاعر جميل الغرابي:
حمد حمد وجهه بعيد عن الدنس
تمضي بمعروفه ذواري الهبايب
عساه ما يجير على قلبه الطمس
وعساه ما تبكي عليه الحبايب
وقال فيه الشاعر عبدالله بن منصور المجيدل بعد وفاته:
مرحوم يا شيخ غمرنا بحسناه
ما لوم محزون على الشيخ ونّا
ليته بكانا يا علي مابكيناه
دوك العيون من البكا حرّحنّا
حمد بن مالك زعيم رضيناه
معروف في داني وقاصي وطنا
يا طيب ذاك الوجه ويا سمح يمناه
نادر ومن حاول فعوله تعنّا
ويقول الشاعر صالح بن عبد الله العطني في حمد المالك رحمه الله:
حي ابن مالك ومن غيره نفعنا
حي هاك الوجه والنفس الرضيّه
إن بدت حاجاتنا لمّه فزعنا
فزعة تنفع خوي من خويّه
وإن ومرنا يا ولد والله سمعنا
يشهد الله وأنت يا ذا اشهد عليه
ويقول الشاعر:
عزي لكم لولا حمد يالفلاليح
كم واحد قد قيل دنوه لولاه
وقال الآخر:
عرفناك رفدا للضعيف تمده
بجاه ومال ما استطاع ثراءكا
والمقصود بذلك الوجيه والوجهة ذو السماحة والندى ذو المعروف والإحسان: حمد بن منصور المالك رحمه الله. ولو أردت أن أتحدث عن حمد المالك وأفضاله وكرمه وجوده ومعروفه لطال بنا المقال، وإنما يكفينا ما كتبه عنه ابنه الأستاذ خالد المالك حيث ألف كتابا عن والده.
رحم الله حمد المالك وغفر ذنبه وأجزل مثوبته فقد كان مثالا للمعروف والفضل والإحسان حيث يذكره بذلك كل من عرفه.