محمد آل الشيخ
يبدو أن الأمريكيين اكتشفوا بوضوح خطأهم المحوري الكبير عندما أسقطوا حكم الرئيس صدام حسين عام 2003 وقدموا العراق على طبق من ذهب إلى عمائم الملالي. اقتحام السفارة الأمريكية في بغداد كانت نتيجة متوقعة لهذا الخطأ الجسيم الذي لم يدفع الأمريكيون ثمنه فحسب بل شاركتهم في دفع الثمن كل دول المنطقة بل والعالم بأسره. وفي تقديري أن إيران ستظل تقاتل الأمريكيين خارج أرضها، ومن خلال وكلائها في العراق، وتحديدا قوات الحشد الشعبي الذين يستلمون تمويلهم من الحكومة العراقية، على اعتبار أنهم جزء منها، في حين لا يخفون أن ولاءهم الكامل للولي الفقيه في إيران. كما أن الاقتحام بهذا الشكل كان أذناب إيران في العراق ينتظرونه على أحر من الجمر، فقد كانوا ينتظرون أن تقوم الولايات المتحدة بقصف كهذا، ليتخذوا منه مبرراً لحصار السفارة والمطالبة برحيل الأمريكيين، لذلك استفزوا الأمريكيين قبل القصف الأخير ما يقارب الإحدى عشرة مرة، وكان الأمريكيون يتجاهلون هذه الاستفزازات، خشية من صرف أنظار العراقيين إلى قضايا غير انتفاضة جماهير الشعب العراقي ضد فساد الأحزاب، وتدخل الإيرانيين في كل صغيرة وكبيرة في العراق. ويبدو أن القصف الجوي الأخير من قبل الأمريكيين، وسقوط قتلى، حقق ما كان ينتظرون، فقد استغله الإيرانيون لصرف النظر عن الحراك الشعبي العراقي وتم توجيهه إلى وجهة أخرى، من خلال محاولات اقتحام السفارة الأمريكية، ويبدو أنهم نجحوا في ذلك، وانتقلت القضية من كونها قضية شعب مقهور منهوب مقموع يطالب بحقوقه من الأحزاب السياسية الفاسدة التي تدير المشهد السياسي في العراق إلى أنها قضية (انتفاضة) ضد الاحتلال الأمريكي كما تقول شعاراتهم، وهم يقتحمون السفارة ويتحلقون حولها.
والسؤال الذي يطرحه هذا السياق: هل استطاعت جموع المتظاهرين من أفراد الحشد الشعبي أن يأخذوا بيد المتظاهرين المنتفضين إلى وجهة غير الوجهة التي كان المتظاهرون العراقيون خلال الشهرين الأخيرين يقصدونها؟
أنا لا أعتقد أن المنتفضين العراقيين على الأحزاب الفاسدة ستنطلي عليهم هذه الخدعة؛ ربما تهدأ هذه المظاهرات برهة من الزمن، غير أنها لا بد وأن تعود ثانية، خاصة إذا لم ينجر الأمريكيون للمواجهة، وتم احتواء الأزمة مع الأحزاب الإيرانية بالتهدئة، وعدم ردود الفعل العنيفة. وفي تقديري أن أفضل طريقة لمواجهة إيران هي في مزيد من العقوبات، فمن خلال التجربة ثبت أن العقوبات الاقتصادية هي الطريقة المثلى لخنق النظام الإيراني، ومهما كان تحمل الإيرانيين فلن يستطيعوا الصمود إلى الأبد، سيرضخون مضطرين في نهاية المطاف - شاؤوا أم أبوا - إلى الجلوس على طاولة المفاوضات، لأن البديل هو الانهيار الكامل؛ لا سيما وهم يأملون أن تتغير إدارة البيت الأبيض، وهذا أمل يتضاءل يوماً بعد يوم، فكل المؤشرات التي بين أيدينا تؤكد أن الرئيس ترامب سيفوز بفترة ثانية في البيت الأبيض، وهذا يعني ببساطة أن سنوات عجاف أربع تنتظر الإيرانيين.
وختاماً أقول إن نهاية إيران التوسعية والإرهابية هي بالفعل قاب قوسين أو أدنى من الفشل، ونهايتها، أو على الأقل نهاية تنمرها على جيرانها في طريقه إلى نهاية مؤكدة.
إلى اللقاء