هناء بنت محمد جوهرجي
لما كان العلم هو بوابة التربية الأولى، وإحدى ركائزها العظام، كانت أولى آيات الكتاب العزيز نزولاً على المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (العلق: 1)، فكانت هذه الآية شعار الحضارة الإسلامية الخالدة، ومنطلق التربية الربانية العالمية، والعروة الوثقى بين الدين والعلم، وانطلاقًا من هذه الأهمية فإن التعليم يُعتبر هو القاعدة الأساسية لتقدّم الأمم والمجتمعات والوسيلة لتحقيق أهدافها، فزعامة الشعوب وثيقة الصلة بحظِّها من المعارف والعلوم، وحتى يُحقق التعليم للأمة أهدافها المقصودة، ويكسبها القوة التي تمكّنها من السيادة والريادة، وتؤهلها للشهود الحضاري على بقية الأمم، فإن الأمر يتطلَّب أن يرتكز نظامها التعليمي على منظومة من القيم والمبادئ، وأن يكون التصور الإسلامي الصحيح شاهدًا في كل ميادينها، وأن تعمل على تطوير وتجديد الأنظمة التعليمية بتحسين نوعية التربية والتعليم وتطويرها من خلال مؤسساتها التعليمية، وتُعتبر الجامعة إحدى هذه المؤسسات التعليمية، ومؤشر مهم من مؤشرات تطوُّر المجتمعات وتقدُّمها، ولا نغفل أن تطوير التعليم الجامعي يتطلب موازنات كبيرة، لذا كان لابد من البدء بخطوات تدريجية، بشرط أن تتوافر الإرادة السياسية لتتجاوز الجامعات مشكلة التمويل التي تُعتبر أحد أهم التحديات التي تواجهها. ولحرص القيادة على التعليم وتنمية عجلة التطور في كل ما يتعلق بالمؤسسات الجامعية وأنظمتها.. فقد سعت المملكة العربية السعودية ضمن لوائحها الجديدة والتي تتكون من (14) فصلاً، وتشتمل على (58) مادة, إلى إيجاد مصادر تمويل مبتكرة، وتوفير فرص تمويل إضافية لتغطية احتياجاتها المالية، وكان من أهم أهدافها الإستراتيجية تنويع مصادر تمويل التعليم العالي، ونشاطاته وإيجاد التنظيمات التي تتيح للجامعات تنويع مصادر التمويل.
ومن هنا ظهر في الوسط الأكاديمي اصطلاح «الجامعة المنتِجة» وهي تلك الجامعة التي تعمل على زيادة تمويلها؛ لتحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال البحوث العلمية، وتقديم الاستشارات وتنفيذ الدورات؛ من أجل تطوير العملية التعليمية، وتحقيق موازنة تتناسب مع الإنفاق عليها؛ لمواكبة الثورة المعرفية؛ بهدف جعلها بمثابة بيت الخبرة للمجتمع من خلال ما تقوم به من أدوار متعددة، وتوفير مصادر تمويلية ذاتية لنظام التعليم الجامعي تُسهم في سدِّ احتياجاته المالية المتنامية من خلال تفعيل الدور الإنتاجي والاستغلال الأمثل للموارد المالية والبشرية المتاحة للجامعات، بالإضافة إلى زيادة قدرة الجامعات التنافسية للتوافق مع المعايير والنظم العالمية، ومتطلبات العصر ومتغيراته، وأخيرًا تحقيق المتطلبات التنموية الآتية؛ تنمية الاقتصاد الوطني، وتنمية روح الإبداع والإنتاج لدى الأفراد، وتحقيق التنمية المستمرة للمجتمع. وتستطيع الجامعة المنتِجة تحقيق دورها من خلال إسهامها في المجالات الثلاثية؛ التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع. ففي التعليم وذلك من خلال؛ سدّ حاجة المجتمع من التخصصات المطلوبة لعملية التنمية، وأيضًا الإعداد الشامل للطلاب وتكوين الاتجاهات الايجابية لديهم نحو التعلم الذاتي، وكذلك القدرة على ترجمة المعارف النظرية إلى ممارسات تطبيقية، وأخيرًا تقديم أنواع أخرى من التعليم؛ مثل التعليم المتناوب، والدراسات المسائية، والدورات التدريبية.
ويتحدد دور الجامعة المنتِجة في مجال البحث العلمي من خلال؛ القيام بالبحوث الأساسية التي تهدف إلى تطوير المعرفة وإثرائها ونشرها، وكذلك القيام بالبحوث التطبيقية المرتبطة بحقل العمل والإنتاج. وأما عن دور الجامعة المنتِجة في خدمة المجتمع فتنفرد مجالات الخدمة العامة وتتعدد بحسب حاجات المجتمع ومشكلاته؛ كالتعليم المستمر، الاستشارات، البرامج التدريبية؛ والتوعية الاجتماعية.
وختامًا.. ولكي يمكن تحقيق الجامعة المنتِجة مفهوماً ووظيفة فعليها إجراء بعض التغيرات التي تساعد على تطبيقها؛ بتقديم رؤية مستقبلية للتعليم تحدد معالمه الأهداف والغايات والمحتوى والطريقة والتقويم، والاهتمام بإعداد أعضاء الهيئة التدريسية والهيئة المعاونة مهنيًا وعلميًا وثقافيًا واجتماعيًا في ضوء فلسفة الجامعة المنتِجة وعلاقتها بسوق العمل ومتطلباته، وأخيرًا توفير الكوادر الإدارية المدربة والمؤهلة لإدارة تنظيم العمل في التعليم الجامعي المنتج في ضوء مجموعة من الكفايات الإدارية والقيادة التي تتطلبها إدارة الجامعة المنتجِة، كل ذلك من أجل تطوير التعليم العالي والمضي نحو مستقبل من الرقي والتقدُّم.
المراجع:
- باطويح، محمد عمر وبامخرمة، أحمد سعيد. (2010م). الجامعة المنتجة اللأربحية: صيغة تمويلية مقترحة. مجلة العلوم الإدارية، العدد الأول.
- عثمان، السعيد محمود. (2017م). الجامعة المنتجة: صيغة مقترحة لتطوير التعليم الجامعي «موقع تربيتنا». تم الاسترجاع: 15-4-1441هـ. على الرابط التالي: www.tarbyatona.net/include/plugins/article/article.php?action=sالجزيرةid=322
- الماجد، ابتسام حمد. (2018م). تصور مقترح لبدائل تمويلية في الجامعات السعودية في ضوء فلسفة الجامعة المنتجة. مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات التربوية والنفسية.
- المودودي، أبو الأعلى. (1961م). منهج جديد للتربية والتعليم. بغداد: دار النذير.
- وزارة التعليم، نظام الجامعات. الصادر بالمرسوم الملكي بتاريخ 1 ربيع الأول 1441هـ.
- وزارة التعليم، أبرز ملامح ومكتسبات مشروع نظام الجامعات. الإدارة العامة للإعلام والاتصال.