د. إبراهيم بن عبدالله المطرف
ذكرت في مقالة سابقة بأنه يمكن للنهضة والتجارب التنموية الصينية بشكل خاص، والآسيوية بشكل عام، أن تكون تجارب ملهمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية السعودية الطموحة، وأنه يمكن أن يجد الطموح السعودي في الصين وغيرها من دول جنوب شرق آسيا، ما يمكن أن يساعد على تحقيق تنمية سعودية أكثر تطورًا وديمومة.
وفِي هذا الصدد، فإن العلاقات الأهلية بين الجانبين تتطلب إستراتيجية واضحة الأهداف والمعالم، تكثف من خلالها جهود تطوير العلاقات السعودية الصينية الأهلية، وذلك من منطلق، أن الدولتين يمثلان «محركين أساسيين» في صنع القرار السياسي والاقتصادي العالمي.
وينبغي أن تصاحب تلك الإستراتيجية، صياغة برامج واضحة الأطر والآليات، لدعم التعاون بين شرائح ومكونات المؤسسات المجتمعية المدنية في البلدين، بهدف تعزيز العلاقات الأهلية في المجالات الاقتصادية والثقافية والعلمية والشبابية وغيرها، مع التركيز على الإفادة من التجارب الصينية، على أسس «المقارنة» والبحث الموضوعي، ودراسة تلك التجارب بكل روافدها، الاقتصادية والعلمية والثقافية وغيرها.
ونرى أن يسلط الجانب السعودي الأهلي العمل على التعزيز لحركة «وجود» أهلي سعودي داخل الصين، ليعمل المواطن السعودي والمؤسسات السعودية عن قرب، مع نظرائهم من الصينيين الذين ينتمون لدولة اقتصادية عملاقة. وإضافة لذلك، فإنه ينبغي التوصل من خلال تلك الإستراتيجية، إلى «توازن» جوهري في مجمل جوانب ومستويات وأصعدة العلاقات الثنائية الأهلية.
كما نرى أهمية تخصيص الإعلام السعودي مساحة أكبر للعلاقات الثنائية، وذلك بتوجيه القنوات السعودية الثقافية والاقتصادية، التي تعنى بتعريف الآخر بثقافة المملكة، إلى الجمهور الصيني، بحيث تعطي للمشاهد الصيني عبر برامج متخصصة، التعريف المناسب عن العقيدة والفكر والثقافة والاقتصاد، وعن عادات وتقاليد المجتمع السعودي.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنه ينبغي على الجهات الإعلامية في الوقت نفسه، تزويد المواطن السعودي قارئًا ومشاهدًا، بأهم التجارب الصينية في الاقتصاد والعلوم والفنون والثقافة والأدب والتقنية وغيرها، والتأكيد على مضاعفة المؤسسات الأهلية السعودية من جهدها، في الدفع بالتقارب والتواصل بين مكونات المجتمع السعودي ومثيلاتها من شرائح ومكونات المجتمع الصيني.
ويرى الكاتب أنه من الضرورة بمكان، بناء «آليات تشاور» سعودية صينية، من خلال لجان تنسيق في الجوانب المختلفة، بغرض الإفادة القصوى والفاعلة من الثقل الصيني في تعزيز مواقف وقضايا المملكة في المحافل الدولية، في ظل حقيقة أن للصين موقفًا تاريخيًا وجماعيًا مؤيدًا للحقوق العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ومبادرة السلام «السعودية».
ونقترح في هذا الصدد، الارتقاء بالأجهزة المعنية بالشؤون الآسيوية في القطاع العام والخاص والأهلي، لتواكب ظاهرة الصعود السياسي والاقتصادي الصيني، ولتمثل دوائر عمل محوري دائم. كما نوصي بتكثيف البحث العلمي عن الصين، كمًا ونوعًا، وعلى قواعد علمية تؤسس لغد أفضل من العلاقات، وذلك من خلال «تعميق» التواصل العلمي، وتأسيس مراكز أبحاث متخصصة، ترصد ما يجري من تطورات حالية، ومتابعة اتجاهاتها المستقبلية، مصحوبة بتكثيف للزيارات والبرامج والأسابيع الثقافية السعودية في مختلف المناطق الصينية، وتوجيه «النخب» السعودية المثقفة، إلى الاهتمام بتجربة التحديث الصينية، من خلال تعميق الروابط المجتمعية الأهلية المختلفة.
ولتحقيق مزيد من التعاون وتعزيز الانفتاح السعودي على الصين، نرى التأسيس لـ»آلية» تنفيذ تتمثل في جمعية للعلاقات الأهلية السعودية الصينية بغرض تطوير العلاقات بين البلدين، بالتعاون مع الأجهزة الرسمية ذات العلاقة في الجانبين.
كما ندعو للعمل على كسب «التأييد» الأهلي من قبل القيادات الاقتصادية والإعلامية والفكرية والثقافية والأكاديمية وغيرها من مواطني الجانبين، وتأسيس «مجلس إشرافي» يضم نخبة من قياديي القطاع الأهلي السعودي والصيني، وتوفير الدعم المالي التأسيسي، وتكليف دار استشارة محلية بإعداد دراسة تفصيلية، بالتعاون مع مركز بحث صيني.
وكلنا أمل في أن تمثل الجمعية المقترحة «نواة» لجمعيات أهلية مستقبلية مماثلة في باقي دول جنوب شرق آسيا، وفي مناطق أخرى من العالم، دعمًا لتحسين صورة المملكة، وتعزيز مكانتها الدولية.
وبذلك نكون قد تقدمنا خطوة إلى الأمام، في دعمنا للرؤية الثاقبة للقيادة السعودية في إقامة علاقات دولية متنوعة ومتوازنة من جهة، وفي تبني رؤية المملكة التي تدعو إلى تدشين مرحلة جديدة من الشراكات الإستراتيجية السعودية الدولية من جهة ثانية.