بادي ذي بدء نجد في ربوع بلادنا العزيزة المئات من المكتبات الخاصة لرجال أحبوا وعشقوا القراءة والاطلاع، وأصبحت هذه المكتبات جزءًا من حياتهم لما تحتويه من وثائق ومخطوطات وأمهات الكتب، إلى جانب اقتنائهم واهتمامهم الشديد بالصحف والمجلات الدورية العلمية والأدبية، وهو حديثنا هنا لما فيها من فكر وثقافة لكبار الكتاب والنقاد والمفكرين سواء بمقالاتهم العلمية أو الأدبية أو التاريخية، أو لما فيها من منازلات صحفية أدبية بين الأدباء أنفسهم والمفكرين وهو قمة الإبداع الفكري وهو نتاج فكرهم وثقافتهم وعلمهم، حيث كانت الصحافة في بدايتها صحافة أدبية.
ومن هنا لا نريد أن ندخل في تاريخ الصحافة السعودية ونشأتها، وإنما نريد أن نبحث عن سلسلة من المجلات الأدبية والعلمية والثقافية الدورية أو الصحيفة وما تحمله من مقالات أو مقابلات مع الأدباء والمفكرين لأكثر من خمسين عامًا مضت، حيث الكثير والكثير من أصحاب تلك المكتبات قد وضع لها مكان خاص داخل مكتبته منذ صدور العدد الأول لها وذلك احترامًا وتقديرًا لها وما تحمله تلك الصحف والمجلات من ثروة هائلة من نتاج فكر أدبي أو علمي أو تاريخي أو مقابلة مع شخصية من الشخصيات البارزة والمهمة التي لها دور كبير في هذا الوطن، حيث نجده يتحدث عن بداية حياته ومسيرته الثقافية والفكرية والعلمية أو الأدبية وعن مؤلفاته وكفاحه أو عن نشاطه الأدبي أو العلمي، أو عن المواقف والذكريات التي مرت به.
إذن كم من مقالة أدبية أو تاريخية أو منازلة أدبية أو شعرية أصبحت في يومنا هذا مدخل وباب لكثير لمن يهتمون بالأدب أو التاريخ. واليوم نجد بأن مصير هذه المكتبات وما بداخلها من صحف ومجلات دورية من علمية أو أدبية أصبحت في عداد الأموات بموت أصحابها (رحمهم الله)، حيث أغلقت تلك المكتبات لعشرات السنين، ثم جاء ذلك اليوم بالتخلص من تلك المكتبات وما فيها من مخطوطات وأمهات الكتب ومن الصحف والمجلات الدورية بأعدادها المنتظمة (حيث كانت عامرة بأصحابها لعشرات السنين) واليوم نجدها إما بضياعها أو إتلافها أو بيعها لمن لا يعرف قيمتها التاريخية، إذن لماذا هذا الاجحاف القاسي بحق هذه الصحف والمجلات الدورية بأن تكون نهايتها في سلة المهملات، فكم من مجلة دورية أو صحفية وجدت في رفوف تلك المكتبات استوقفت كثيرًا من الباحثين من أدباء ومؤرخين حيث وجدوا فيها ضالتهم العلمية أو الأدبية وهو نتاج فكر أديب أو مؤرخ حيث نجد هذا الأديب أو المؤرخ كتب تلك المقالة بحيث لا نجدها في مولفاته أو كتبه.
إذن يجب أن نقف ونفكر ونقول إن هذه الصحف والمجلات الدورية القديمة التي مضى على إصدارها أكثر من نصف قرن، حيث إنها لا تقل أهميتها عن أي كتاب أو مجلد في رفوف تلك المكتبات لما تحتويه من أثر علمي وفكري وثقافي رصين لهؤلاء الأدباء والمفكرين وأصحاب التاريخ، لذا فرفقًا بصحفنا ومجلاتنا الدورية القديمة، فهي شمعة مضيئة لا تقل أضاءتها عن مجلد أو كتاب.