شريفة الشملان
عندما استعرت الحربان العالميتان الأولى والثانية، فكر المتحاربون بطريقة إجرامية -رغم جريمة الحرب- بنقل الميدان من ديارهم للمستعمرات، فكان أن تدمرت الأراضي والمزارع وفقدت أرواح، مع أنهم أصلاً كانوا يحاربون بمجندين من المستعمرات ذاتها.
ما زالت الألغام تكتشف في كل مكان تم ملاحقة جيوش بعضهم بعضًا فيه، خاصة صحراء العلمين.
جاءت الحروب الأمريكية الثلاث في منطقتنا، بقيت آثارها في الأرض والأجساد.
لم تكن الألغام وحدها هي التي تتفجر ولكن الأرض لم تسلم من مخلفات الآثار ومنها اليورانيوم حيث تأثر البشر والحيوان والنبات وأين ما التفتنا وجدنا سرطانات ترعى، نفقت وقتها الأسماك في الخليج ونهري دجلة والفرات، المصيبة على العراق أكبر حيث محاولات تدمير للروح العراقية وتم تسليم العراق ليكن الشقاق الكبير بين المكونين المذهبّين السنة والشيعة. وقرر ذلك في الدستور تقنن وأسس ليكن للمذهب والقومية على حساب الأجدر.
جاء ضعف العالم العربي مركبًا بين الحروب ونشب العداوات الجانبية التي تكون على حساب الأوطان وتستهلك الجهود البشرية والمادية على حساب التعليم والصحة والتنمية في الإنسان والأرض.
هنا يجدر بي تذكر بيت المتنبي وهو شاعر عباسي عراقي:
ومن يجعل الضرغام في الصيد بازه
تصيده الضرغام فيما تصيدا
لنعد قليلا لـ(حزب الدعوة) الشيعية الذي استغل الحرب الخليجية الأولى ليدخل من ملجأه في ايران إلى جنوب العراق ويدمر الكثير، يسرق البيوت ويقتل أهلها. فكان أن تنفس العراق قليلاً ويرفع رأسه بعيد الحرب ليلتفت للجنوب ويضرب ليعيد التوازن في جنوبه الذي عانى الكثير قبل ذلك في الحرب الإيرانية - العراقية وهي حرب لها طرف ثالث هي أمريكا بعملية سميت (احتواء).
اشتعلت أرض العراق وفاق العراقيون الذين هلل بعضهم للمحتل وظنوه المنقذ، فجاء الخونة على دباباته ليسرقوه.
المصيبة ليست أول مرة يدخل العراق من يسمى نفسه المنقذ فالعراقيون يعرفون ذلك لم يكن (بريمر) الأمريكي إلا صورة أكثر تدميرًا وعنفًا من الجنرال البريطاني (مود). الذي خطب في العراقيين ليقول: (أتيناكم منقذين لا فاتحين) ولم يخرج البريطانيون إلا بعد مقاومة كبيرة من العراقيين في ثورة العشرين، ومن ثم كانت الدولة العراقية الحديثة التي دمرت منذ 2003. ودخل الأمريكان العراق. وأسسوا لأكبر احتلال مدمر في العراق. وبعد سرقة كل شيء في العراق وتدمير وتقطيع أوصاله وخلق كيان كردي كبير في شماله أغرى كرد الدول المجاورة بالانشقاق عن دولها.
خرج الأمريكيون وتركوا أوتادًا لجحًا بكل مكان.
ثار العراقيون فالوعود لم تكن إلا هباء. ذهبت الدولة والعلم والصحة، بعد أن أهلكت بالحصار الظالم الذي أخذ أرواح مليون من أطفال العراق وحرم الدولة من مستقبلها البشري، الإيرانيون في كل مكان لدرجة تكاد البصرة أن تكون مستوطنة إيرانية.
ثار العراقيون في كل مكان، وجاء الإيرانيون لصدهم عبر الحشد الشعبي. الذي قرر أن يكون للأمريكان حصة أو ربما جر رجل ليخف ضغط المظاهرات السلمية. فضرب المنطقة الخضراء سقط أمريكي قتيل، الأمريكيون أصلاً لديهم حقد وثار على الإيرانيين، رئيسهم (ترامب) يقول ذلك قائمًا قاعدًا.
إذا هي أرض العراق المدمرة أصلاً تكون ميدانًا تجريبيًا للحرب بين أمريكا وإيران وتزاد تدميرًا والمنطقة الخضراء تقضي على ما تبقى من خضرة العراق، قد تضرب إيران القواعد الأمريكية في العراق، أو في أي جزء من منطقة الخليج العربي. ولن يكون العراق وحده ميدانًا ربما تلحق به الدول الخليجية.. لذا لا بد من أن يكون لدى دول الخليج العربي ذكاء كبير لإبعاد هذا الخطر عن أراضيها.
ويعود قويًا بيت المتنبي موجها للعراقيين الذين أرادوا الهروب من (رمضاء) حكم صدام حسين فسقطوا في النار بين الإيرانيين والأمريكان:
من يجعل الضرغام...
واللهم أشغلهم بأنفسهم عنا واحفظنا من أمامنا وخلفنا..