د. خيرية السقاف
كم صندوقاً في زوايا بيتك، مخبَّأ في خزائنك، محفوفاً بعنايتك، مفعماً بآثارك،
مضمخاً برائحة أيامك الذاهبة؟!
كم فيه منك كلما عدت إليه أفضى إليك بمخزون ذاكرتك، وهطل على مشاعرك بوابل الحنين؟!..
هذه دفاتر دراستك وأنت طفل لا تدرك تسارع الزمن بك، وهذه قطع من ألعابك غِرَّاً تركض بين عيني أبيك، وتلك وثيقة دونت سطورُها لحظة ميلادك، وهذا كتاب أثير تهجيت فيه أحلامك، وتلك صورة جمعك إطارها بإخوتك، وهذه «فازة» انتقيتها في رحلة قضت لحظة بهجة، وهذا... وتلك، ووو...كلها آثارك الأثيرة، جميعها علامات أيامك التي تلاشت، وانفرطت بين أصابع عمرك كانفراط الماء..
خزائنك عامرة، لا تأتيها إلا كما يتطوف الشوق مارقاً، ويمضي..
وأنت تمضي لكنك تتغير..
تمسح عليك الساعة بتكَّاتها فتقتفي اتجاهها، خطواتها لا تعود للوراء أبداً،
وأنت أيضاً لا تعود أبداً..
أنت الساعة في معصم أجلك، وهو الوفي في الإضافة إليك..
أنت لا تعود؛ لأنك لست الذي كنت في المهد وليداً، فالمحضن صغيراً، فالمجتمع كبيراً،
أنت الطفل بلا نوايا، ليس هو أنت الواعي الذي كبرت..
أنت الآن لست أنت الذي كان..
لكن بقاياك بقيت كما هي، لم تكبر، لم تتغير، ولن تفعل، في مخبئك تنتظرك إن حفظتها..
تحدثك كلما أفرجت عن أبوابها..
تأخذك من تلابيب حاضرك لسراديب زمن تركتها فيه ومضيت عنها..
فأنت قد طالت قدماك، واستوحشَت من الإيغال ذاكرتك، وخفت مع الأيام وهج ضحكاتك، واستعمر جوفك رهق الركض، واختبأت طفولتك بين المحتويات، رداءً كانت أمك قد انتقته لك في عيد شاخ، قلماً يوماً ما أهداك إياه أبوك حين أول نجاح حزت به على فرحته، وريقة رسمتها أصابعك في لدونتها حفظتها لك أمك ثم آلت إليك، بقايا منك تختلف، وفي خزائنك تأتلف..
أفأنت حين تمر جوار صندوقك في خزانتك، أو في ركن حجرة في منزلك تقف إليه؟
تشرع بوابته وتلج؟..
أتستحوذك حينها رائحة طفولتك، ومراتع نشأتك، وملامح شبابك؟ وعلامات نجاحك، وبقايا حصادك؟..
أو أنك من الذين تفرغ خزائنهم من صناديق بقايا أيامهم التي ولَّت متحررين منها،
ساعاتهم كما ديدن الساعة في معاصمهم تمشي إلى الأمام ولا تعود أبدًا؟!..