فضل بن سعد البوعينين
تمضي القيادة قُدمًا في تنفيذ وعودها السابقة بتجفيف مستنقع الفساد المالي والإداري، وفتح ملفاته، ومحاكمة الفاسدين، وإعلان مجريات التقاضي بشفافية، تسهم في ردع المتجاوزين، وتحذير المتهاونين بصيانة المال العام، وتذكيرهم بأن سطوة القانون ستطولهم لا محالة، وأن قضايا الفساد لن تسقط بالتقادم.
تحرير قضايا عدة ضد «وكيل وزارة»، ومجموعة من المتهمين، بينهم موظفون ورجال أعمال، من قضايا الفساد المالي والإداري التي تناولتها الصحف السعودية مؤخرًا، والمبنية على تهم مختلفة، من بينها خيانة الأمانة، وغسل الأموال، والتربح من خلال المنصب، وقبول رشاوى وأعطيات.
الفساد عدو التنمية الأول؛ فهو أشبه بالسرطان الذي يفتك بها، وينخر في جسد الاقتصاد، ويؤثر سلبًا في الاستقرار المالي، والاستثمار، والإنتاجية، وغياب العدالة المجتمعية، ويولد حالة من انعدام الثقة، ويضعف من قدرة الحكومة على أداء وظائفها الرئيسة. كما يتسبب في خفض معدلات النمو، وزيادة البطالة، واتساع رقعة الفقر، ورفع تكاليف المعيشة، والإضرار بالمنافسة؛ إذ يسيطر الفاسدون على العقود بأنواعها من خلال الرشاوى أو استغلال السلطة؛ وهو ما يتسبب في إقصاء ذوي الجدارة، وإخراجهم من السوق؛ فلا يقتصر الضرر على المنافسين، بل يتجاوزهم إلى مخرجات التنمية التي ستعاني ضَعْف الجودة، وعدم قدرتها على الصمود؛ وهو ما يتسبب بهدر المال العام، وتأخر المجتمع.
ومن الأضرار الفادحة تسبُّب الفساد في رفع تكاليف الخدمات، وتكلفة المعيشة بشكل عام؛ فتضخيم قيمة المشاريع والهدر المالي ورداءة المخرجات ترفع من التكاليف الحكومية، أو تكاليف شركات الخدمات شبه الحكومية. ومن الطبيعي أن تحمُّل تلك التكاليف على المستهلك النهائي من خلال التسعير. ويتسبب تضخيم مشاريع التنمية ورداءة مخرجاتها في استنزاف موارد الدولة، وتحميل ميزانياتها ما لا تحتمل من النفقات العامة؛ فينعكس على تسعير الخدمات، والرسوم، وغيرها من الإيرادات التي تحصلها الحكومة من أجل إعادة ضخها في التنمية التي يحتاج إليها المواطنون.
ومن المؤسف تحميل الحكومة كامل المسؤولية عن مكافحة الفساد دون النظر إلى مسؤولية المجتمع ومؤسساته، خاصة المؤسسة الدينية، والأسرة، والتعليم، والإعلام.. الذين يقع عليهم العبء الأكبر في نشر ثقافة النزاهة، ونبذ المفسدين، وإقصائهم عن المشهد العام.
سلطة القانون، والمؤسسات الرقابية، من الأمور الرئيسة في المكافحة، إلا أن للمجتمع بمكوناته دورًا مهمًّا في تعزيز قوة القانون والأجهزة الرقابية، وتحويل النزاهة إلى ثقافة مجتمع، تحكمها الأعراف والمعايير الأخلاقية، وقبل كل هذا المحاذير الشرعية التي يُفترض أن تكون بوصلة النزاهة لكل مسلم.
أختم بالتشديد على أن انعكاسات الفساد السلبية لا تقتصر على المال العام والتنمية فحسب، بل تصل إلى جيب المواطن والمقيم الذي يشارك الحكومة في دفع تكاليف الفساد الباهظة؛ وهو ما يجعله معنيًّا بمحاربته، ومحاربة الفاسدين، والتبليغ عنهم، ونبذهم من المجتمع لتحقيق متطلبات النزاهة التي يجب أن تبدأ من المجتمع، وتنتهي به.