عقل العقل
ما يجري في بعض الأقطار العربية والذي يطلق عليه البعض موجة ثانية من الربيع العربي وأنا بالحقيقة لا أقف كثيراً عند التسمية لما يحدث في بعض الدول العربية وخاصة في السودان والجزائر ولبنان والعراق ولكن النقطة الفاصلة لهذا الحراك الشعبي أن له صفات متقاربة منها عدم حضور تيارات الإسلام السياسي التقليدية مثل الإخوان المسلمين أو التيارات السلفية الجهادية التي دفعت بالثورات العربية في موجتها الأولى إلى العنف والعنف المضاد من الشعوب العربية أو من مؤسسات الدولة العميقة في تلك الدول، في النهاية تلك التجارب الإسلاموية فشلت باعتقادي بشكل ذريع وأكبر مثال على ذلك ما حدث في مصر، شعوبنا قد أنها تريد الإصلاح والتحديث وتصل إلى دولة المواطنة ولكنها للأسف أي هذه الشعوب تراهن على الأحزاب الدينية وتلبسها ثوب القداسة ولكن هذا على أرض الواقع لا يساوي شيئاً، يمكن القول إننا أمة نعيش أزمة ثقافية كبيرة نخلط فيها بين السياسي والديني، تابعنا موجات الربيع العربي تريد فقط أن تثور تغير الأنظمة السياسية وكما هو معروف أن الثورة يكون لها شكل متكامل من التغير سياسياً وثقافياً واجتماعياً وموقف واضح من الدين كما في الثورة البلشفية في روسيا أو أن ثورة أخرى يكون الدين هو أساسها الثوري كما في الثورة الخومينية.
بعد فشل موجات التغير العربي بحالته الأولى عشنا حالة من الإرهاب والتطرف أساسه الفرقة المذهبية والأثينية كما في حالة داعش في العراق وسوريا بشكل واضح وهذا لا يعني أن عدداً من أفراد الطائفية السنية مثلاً في تلك الدول كانت بمأمن من جرائم ذلك التنظيم الإرهابي، البعض كانوا يرددون أن درجة التوحش من التنظيمات الجهادية في تلك المرحلة مخطط لها حتى تطلق شعوب المنطقة آمالها بالدين ومؤسساته ورموزه كمنقذين وكحل في العملية السياسية، هل ما يجري في العراق ولبنان مثلاً هو ضد الطوائف ولماذا لم يستشرف من قبل خاصة أننا نعرف أن هاتين الدولتين مؤسستان على محاصصة فجة بعضها منصوص عليه في دساتيرها، الغريب أنه قبل هذا الحراك لم نشهد مواقف واضحة وقوية ضد دولة المحاصصة الطائفية في هذه الدولة والحراك الذي نشهده الآن بدأ بمطالب اقتصادية وخدمية وفشل تلك الحكومات في تقديم هذه المتطلبات الإنسانية البسيطة لشعوبها من ماء وكهرباء وخلق فرص العمل في دول ليست بالفقيرة، هذا الحراك تطور بشكل ثوري ضد كل الطوائف التي كانت مرجعية لهذه المكونات الاجتماعية لهذه الشعوب، والملفت كذلك أن إيران والقائم حكمها على أساس مذهبي منصوص عليه في دستورها قد استثمرت في بعض هذه المكونات الشيعية العربية، الآن نشهد الهتافات الشعبية في بعض العواصم العربية تهتف وبكل وضوح ضد إيران وتدخلاتها السافرة في الدول العربية ودعمها لمجموعات دينية وسياسية على أساس طائفي لتحكم دولها، قد يكون للحصار الذي يفرض على إيران علاقة بما يجري في محيطها المذهبي ولكنني أعتقد أن هذه علاقة مادية واستغلال من الطرفين لبعضهما في الظروف الطبيعية الآن الكل يبحث عن مصلحته ومحاولة النجاة، في العراق من يتابع المشهد يلحظ أن الحراك المتصاعد يرفع شعارات وطنية ليس بها نفح طائفية كما شهدنا من قبل بعد احتلال العراق في 2003م، إضافة إلى أن من يقود الحراك بالأكيد ليس من رجال الدين ولو أنهم يحاولون أن يلتفوا على هذا الحراك الوطني، مثلاً نجد أنهم ضد استخدام قوات الأمن للسلاح ضد المتظاهرين وقتل المئات منهم في نفس الوقت نجد أن كتلهم السياسية تشارك بالحكم وتقف مع المؤسسة السياسة الطائفية للأسف، في شوارع بيروت وبغداد والجزائر يتهم هذا الحراك بأنه ليس له قيادات واضحة يمكن التفاوض معها وقد تكون هذه ميزة إيجابية باعتقادي بهذه المرحلة ولا يوجد أدنى شك لدي أنه في حال استمرار هذا المسارفي حالة متصاعدة سوف يفرز وبشكل حتمي قياداته الوطنية، في العراق البعض يحاول أن يلعب على وتر عودة البعث وبقايا نظام صدام لتخويف هذه الشعوب، وللعلم أن من يتظاهرون قد يكونوا ولدوا وأتوا لهذه الحياة بعد الاحتلال الأمريكي ولم يعشوا تحت النظام البعثي هم أبناء النظام الطائفي في هذه الدول، في مثل هكذا حراك يرفض الطائفة وينشد بلد المواطنة للجميع قد ينبعث إشكال من الأنظمة العربية المستقرة والمراعية لمصالح شعوبها البسيطة جداً ومتلخصة بحياة كريمة بعيداً عن رجال الدين والطوائف الذين آخر ما يفهمون فيه هو السياسة.