عبدالعزيز السماري
لقد ساهمت تجربة نرجس القاتلة في إبراز وكشف خفايا الشخصية الإنسانية، وإدراك تلك العلاقة المثيرة بين الإنسان ومحيطه، وكنت ولازلت أشعر بالدهشة عندما يحتدم النقاش بين شخصين في المجتمع، وتسمع أحدهما يقول للآخر: هل تعرف مع من تتحدث؟، وكأنه يشهر سلاح نرجسيته ضد الآخر في محاولة لقمعه من فوق إلى أعلى..
لذلك لا بد من الاعتراف أن النرجسية مع المزيج مع الجهل موجودة في ثقافتنا المحلية، وتظهر في الحوار إذا اشتد أو وصل إلى مرحلة الاصطدام، لكن ذلك قد يتجاوز المرض العابر إلى التدمير عندما يصل إلى المدارس، وعندما يتحدث الطفل من خلال نرجسية متوارثة مزاجها الجهل والفخر الكاذب..?? تشير النرجسية إلى قصة نرجس الذي غرق فور رؤيته انعكاسًا في الماء عندما سقط من أجل إلقاء نظرة فاحصة على نفسه، ومغزى القصة هو أن هوس الذات يمكن أن يكون قاتلاً، لكن تحول إلى وحش كاسر في هذا العصر، والذي يستحق أن يكون عصرا نرجسيا.
ساهمت وسائل التواصل الاجتماعية من فيسبوك إلى تويتر وغيرها إلى إذكاء مشاعر نرجس في عقول الشباب، وبدلاً من البحث عن أسباب المجد في ثقافة العمل، تجدهم يتحدثون ويكتبون من خلال لغة فوقية نابعة من الجملة الأشهر «هل تعرف تتكلم مع من؟?? يشير الجهل في تعريفه العام إلى حالة عدم المعرفة، وهناك نوعان على الأقل من الجهل، الجهل المتعمد الذي لا يريد أن يعرف، والآخر هو الشخص الذي لا يرغب في الجهل، وسوف يفعل شيئًا للتغلب على جهله، ويمكننا أيضا التمييز بين أولئك الذين يدركون أنهم يجهلون وأولئك غير المدركين، ولعل أسوأ مزيج هو أن تكون غير مدرك وغير مستهد مستعد للتعلم، وتجاوز جهلك المركب..
لا يمكن تجاوز ما فعله النفط في عقول الناس، فبقدر ما كان نعمة للوطن، كان نقمة على بعض العقول، والتي انتقلت من خلال نظام الطفرة من حالة التواضع الجم والعمل المتواصل والطيبة إلى صورة النبيل الثري والمتعالي عن الآخرين، وبدون المرور في مراحل التعليم والعمل للوصول إلى تلك المرحلة، لكن تبدو في أقبح صورها عندما تبرز في المدارس وأماكن العمل وتكون جواز مرور بلا مؤهلات..
هو سلوك نابع عن نرجسية مزوجة بنكهة جاهلة ومركبة متوارثة، فكان المنتج ذلك المخلوق المنتفخ بالملابس المركبة، والذي يتحدث من «طرف» أنفه، وفي حالة زهو مبالغ فيها لأسباب مادية أو غيرها، ولذلك تخرج منه بصورة عفوية جملة «هل تعرف من تحاكي»، وكأنه المريب الذي كاد أن يقول خذوني بتهمة الجهل المركب؟