د. محمد عبدالله الخازم
بدأت بصفحة الإهداء، وكانت إلى الصديق الراحل ناصر الظفيري. قاومتُ لوأد حزني محاولاً التركيز في النص بعيدًا عن ذكريات ناصر - رحمه الله -. أدركتُ لماذا أهداني الوفي عبدالله البصيص روايته؛ هو إهداء لصديقه الراحل الذي كان يحدثني عنه قائلاً: «لدينا شباب حلوين، لهم مستقبل في الرواية..»، ويذكر منهم عبدالله البصيص. أبو بدر كانت تكفيني شهادته في التعرُّف على المواهب المبدعة، وتأكد لي وأنا أقرأ رواية «قاف قاتل سين سابق» أن فراسته في تقدير موهبة هذا الشاب الجميل فكرًا وروحًا لا تخيب، وحلمه باستمرارية المشروع الروائي يتحقق. رحم الله ناصر الذي لفت انتباهي مبكرًا إلى بعض المواهب الشابة، منها كاتبنا الذي نحتفي به اليوم.
لن أخبئ بعض قلق من فكرة قراءة عبدالله البصيص كامتداد لناصر الظفيري، لكن مع التوغل في القراءة تأكد لي أن لا رواية تشبه الأخرى، ولا كاتب امتداد لآخر. لكلٍّ تجربته وفضاؤه وأدواته التي تميِّزه، مع عدم إنكار تشابه الهم الإنساني والثقافي بين الكتّاب. «قاف قاتل سين سعيد» امتازت بعمقها السردي، وتفاصيلها الدرامية، ووضعتنا أمام كاتب رواية متمكن، مؤكدًا ذلك بتصاعد منجزه؛ إذ تجاوز الرواية الواحدة، وأثبت قدرته على تطوير وتنويع أدواته في الشعر والسرد.
بعيدًا عن تحليلات النقاد الأدبية، الرواية ببساطة - أو هكذا ما يرجوه قارئ مثلي- عبارة عن حبكة درامية، ووصف تفاصيل ممتعة، وروح كاتب، أو فلسفة ينثرها على ألسنة شخوص العمل. هذه الرواية تميَّزت بحبكة درامية تصاعدية، تشدك كقارئ حتى نهاية العمل، بل إن تصاعدها الدرامي يجعلك في شوق لفتح الصفحة التالية بحثًا عن أجوبة العقدة أو اللغز الذي نسجته في حبائلها. «إذا فهمنا الخطأ وجدنا العذر».. ولغزارة التوصيف تعاطفنا مع البطل، غفرنا له تجاوزاته المتعددة، وكدنا نتقبل حكايته الخارجة عن المألوف، لولا أن الحاكي استمرَّ يمنحنا جرعات من التلميحات، تحفزنا على الانتظار ومواصلة الركض في دهاليز الرواية حتى النهاية.
فلسفة الثنائية بين المكتوب والمتخيل، بين الصورة والكلمة، هي إحدى أرواح الرواية التي جسدتها ثنايا الحوارات كما جسدتها آلياتها السردية؛ فعادل/ الروائي كان ينزل الخيالات من أبعادها الثلاثية التي تجسدها ونتخيلها إلى وصفها المكتوب والمحسوس والمعقول، بينما فهد الذي تنقصه أدوات الكتابة علّمه عادل استخدام الصوت والصورة كبديل للكتابة. «وعي الإنسان يعتمد على مصدرين فقط: العقل والمخيلة. العقل مكون من كلمات، والمخيلة مكونة من صور. التفكير هو تحويل الكلمات إلى صور، أو تحويل الصور إلى كلمات».
الرواية توصف بحذر: الحارة/ الحي/ المجتمع الذي أهمل التاريخ كتابة تفاصيله. تفاصيل «قاف قاتل سين سعيد» أعادت لنا بعض (نوستالجيا) الحنين لسنين الدراسة والشقاوة في مراحل معينة من العمر، وإن اختلفت التفاصيل وفق طبيعة المجتمعات والمرحلة الزمنية. يتنوع البُعد الزمني في الرواية بين طولي وأفقي، وإن غلب التركيز على حقبة قصيرة؛ فالأمر يشي بعمل مستقبلي، تتبع مراحله ما هو أبعد من ذلك.
شكرًا عبدالله البصيص على هذا العمل الذي يمنحنا التفاؤل بمستقبل مشرق للرواية العربية، وننتظر منك مزيدًا من الإبداع في مستقبل الأيام.