رمضان جريدي العنزي
لا يمكن للمرء العاقل المدرك الواعي أن يعيش وحيدًا كالنسر فوق قمم الجبال، المشاركات الاجتماعية كالأكسجين لا يمكن لأحد العيش بدونه أو الاستغناء عنه، والانعزالية المفرطة تعني الموت البطيء والفناء، أن الانعزال عن المجتمع يجعل المرء لا يشعر بالانتماء له، لا يعرفه ولا يعرف ما يدور فيه من أحداث ومجريات، إن الخروج إلى الناس والتعرف عليهم ومشاركتهم أيًا كانوا، في الأفراح والأتراح والمناسبات أول خطوة نحو الانتماء، إن التموضع مع الناس والعيش معهم وبينهم هو محور الحياة، والإضاءة والمنارة، ومرتكز العطاء، إن المشاركة الاجتماعية مثل الأرض الخصبة والنهر والحديقة، وهي سبب للبهجة وطرد للكآبة، ومصدر من مصادر المعرفة، حيث تبادل الآراء، وتلاقح العقول، وطرح التجارب، فضلاً عن الرواية والطرفة والخبر، إن المشاركة الاجتماعية تُعَدُّ بمنزلة حجر الأساس الذي يسهم في انتقال البشر من مرحلة تنموية إلى أخرى، ويسهم أيضاً في تنظيم المجتمع ورقية، وذلك من خلال استخدام الطاقات البشرية التي تولد الفعل وتنتجه، إن الانعزال والبعد عن الناس، وباء صامت، يظر العقل والقلب، يوهن الروح، ويضعف المناعة في مواجهة شؤون الحياة ومتطلباتها، ويزيد نسبة الاكتئاب والخرف بنحو ثلاثة أضعاف مقارنة بغيرهم من الناس الاجتماعيين، كما أفاد به العلماء المختصون بهذا الشأن، إن العزلة ليست حصانة الذات من سوء الآخرين، وليست ستارة فولاذية تحجبهم عنه، وإن غلق الأبواب والنوافذ ليست عملية ناجحة لها مردود إيجابي على الفرد، إن الله خلق الإنسان لا ليعيش لوحده، يأكل ويشرب، ينكح وينام، يلبس ويلهو، ثم يموت فينقل إلى القبر فيدفن، لكن خلقه لكي يكون عضوًا فاعلًا مع الآخرين، وأن يكون بينهم مؤثرًا ومتأثرًا، ويحدث بصمة في حياته وحياة الآخرين، من خلال المشاركة والتفاعل والتواصل، إن الحياة في مجملها ليست غذاء ولا شرابًا ولا كساء، بل هي مشاركة الناس آلامهم وأحلامهم وتطلعاتهم، يمشي معهم ويندمج، يذهب إليهم، ويجيئون إليه، يشد من أزرهم ويواسيهم، إن مشاركة المجتمع والنزول إلى ميادينهم تعني تطويع العقل والمعرفة والثقافة لإنجاح المجتمع في رحلة الحياة الطويلة، بعيدًا عن المعاقات والمصدات، إن الإنسان الحي المشارك هو الذي يفيد أمته، يفكر لهمها، ويغتم لغمها، يفرح لفرحها، ويحزن لحزنها، قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرمن المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم)، وفي حديث آخر له صلى الله عليه وسلم (المؤمن يَألف ويُؤلف)، إن المشاركة الاجتماعية أكسجين الحياة وماؤها وبهاؤها وحسنها ورونقها وجمالها، عكس العزلة والانطواء والانكماش على الذات، فتعني الموت البطيء المؤدي للفناء والزوال.