د. فصل عيد الحامد
ورحل عام 2019 وحمل معه الكثير من الأحداث والأمنيات والذكريات ومن كان بلا ذكريات هو أساساً بلا وطن، بلا تاريخ، بلا تفاصيل، بلا ناس! كل الأماكن تحتاج ذاكرة رخامية تستوعب الزمن وملامح وجوه العابرين!
قبل بداية العام الجديد البعض يستعد للسفر ليعد من عشرة إلى واحد حيث تشير الساعة إلى اثني عشرة ودقيقة والدقيقة تسجل للعام الجديد2020 وبعدها ترتفع الأصوات والتصفيقات احتفاء بقدومه ويتبادلون التحايا والأحضان فكل عام والجميع بخير في كل بقاع الدنيا.
أعتقد أنني في اليوم الأول من عامنا الجديد ليس لدي مشاوير ولا أعلم أين تكون أول الدروب وآخرها المشاوير والدروب. آخر القصص والحكايات، آخر القصائد والأغنيات، آخر فناجين القهوة والمقالات. ولا أعلم في أي منعطف من الطريق أضعت الشخص الذي كنته.
في العام الجديد سأبقى في مدينتي التي تقع في أقصى الشمال وسأقول لها «أنتي حبيبتي» كنتي ولا زلتي أنت فقط من تخطف الأضواء من المدن ومن كل العواصم.
وسأهمس بإذن هند «أنت يا هند» فقط ابتسامتك تضيء لي دهرًا من الزمان!
وسأقضي ساعات أناجي عامنا الراحل وأقول له:
أيها الراحل بكل ما فيك، لن أعتب عليك لأنك مررت في حياتي ضعيفاً، ولأن الدنيا لم تغريني كما أغرتك، أيها العام الراحل لا نريد الدخول في العام الجديد مستسلمين حتى لا نستأنف الحكاية من جديد ولا نريد الخروج؛ حتى لا تبدأ قصص الغياب!
أيها العام الراحل لقد آلمني الرحيل فأعرني قلباً لا يأبه بمواسم الهجرة والخريف أتحصن به لمواجهة عامي الجديد, فأنا أعاني من حنين يسكنني لرؤية أمي واحتضان ابني الراحل منذ أعوام وكل الأشياء التي أحب تشتاق للمسة أمي وضحكات ابني.
هذا الصباح من العام الجديد أشتاق لثلاثة أموات، دفنوا في ثلاث مقابر، في مدن مختلفة! فأصدق ما نكون عليه عندما نحب الأموات.
في هذا الصباح من عامنا الجديد هبني يا الله مدد رحمتك وعفوك وامنحني الأمنيات, ابقني غرسا في حدائقك ودعني أعيش الحلم حين يتحول إلى حقيقة، وإن حل المساء لا يهمني إن حان القطاف؛ فأنا من تلحف طويلاً بالوعود، كبذرة نمت حتى شقت تربتها لتقول: إن كنتم بالوعود تدثروني فأنا بالصبر وحسن الظن بك علموني فتلحفت أعواماً بأمنياتي. فالصدق في قاموسي أن تفي بالوعود التي لم تعد تؤمن بها.
في هذا الصباح عامنا 2019 لملم أطراف ثوبه منذ مساء الأمس عند الثانية عشرة وغادر أزمنتنا. والطيور لا تملأ سكون لياليه بنغمات الهجرة في سباق مع الأيام، فالشتاء يمنعها, والبحث دوما عن الدفء يستحق كل هذا الرحيل، وأنا وفي فرحة قدوم 2020 أهاجر ككل الطيور المهاجرة؛ أبحث عن القلوب الدافئة، وبالتأكيد البوصلة تتجه دائما إليك يا وطني.
متعبة الحياة، نهاري ضجر، أقضيه انتظار، وإذا حل المساء، أدثر حلمي بآخر أمنياتي التي رحلت للعام الجديد. مضت أعوام عديدة، أعوام للبكاء الذي لا دموع له. أعوام للكلام الذي لا صوت له! أعوام للحزن الذي لا مبرر له! للمفكرات الفارغة والأيام المتشابهة البيضاء! أعوام للحماقات وأخرى للندم! للعشق وأخرى للألم! وأعوام للترقب وليال للأرق، وساعات طويلة للضجر! ومضت أعوام لا علاقة لها بالفصول!
يا عامي الخجل والحزين الفرح أودعك وداع لا لقاء بعده
فوداعا 2019, إن لم يكن لفراشات الحرف قنديل مساء!!
وداعا إن لم يكن لأشعة الشمس خيط يكلل عتمة المساء وداعا إن لم يكن للروايات نهايات تجمعنا!
وداعا إن لم يكن لأحلام الطفولة بقية!
وداعا إن لم يكن لحلم الطباشير بقية!
وداعا أيتها الدروب إن لم تقبل قدمي ثراك يا وطني!
وداعاً وليس من المؤسف أن أنام جائعاً فهنالك من ينام جائعاً ودون أمل.
وداعا وأنا تلك الفتاة التي تعترف لك بأن هناك فقط مكانين قد يفقداني (أنا)
وطني حيث تولد الجاذبية! وقبر أمي وأبي وابني حيث تنعدم الجاذبية.
الحب: مغفرة، الحياة: معبر,. وأنا: حلم.
كل عام وأنتم بخير,,,