د.فوزية أبو خالد
هذا عنوان معقد لمقال بسيط قد يجر إلى بعض الأسئلة مثل من هو المثقف الذي تشكل سيرته مرآة للمجتمع إلى آخر الجدل الفكري في أنواع الثقافة ومواقع المثقفين وأدوارهم كأفراد أو كنخبة، لذلك جرى التنويه بأن ليس لهذا المقال أي عمق لا بالمعنى السياسي ولا بالمعنى الفلسفي، بل هو أقرب إلى الطرح البرجماتي المباشر من باب التثمين لمثقفين حملوا باجتهاداتهم مسؤولية الكلمة والبحث في مجالات ثقافية متعددة بمجتمعنا السعودي وبعضهم أوصلنا للعالمية قبل رواج مثل هذا المصطلح كبحوث ثريا التركي وكتب منيرة الغدير ورواية حمزة بوقري سقيفة الصفا.
المرايا
د. عبدالعزيز السبيل
متابعة سيرة د.عبدالعزيز السبيل التي عرضها النادي الأدبي بالرياض، رغم معرفتي بمكارم أخلاقه المهنية وجهًا لوجه إلا أنها أطلعتني على تعدد في اهتماماته ووظائفه ومهامه لم أكن أعرفها. وإذا كنتُ قد وجدت في تلك الاحتفائية قبسًا وأنا واحدة من مجايليه، فكيف بالأجيال اللاحقة التي لا بد أن تجد في تلك السيرة ريشة من الأجنحة التي كان لها شرف محاولة التحليق في تحدٍ لسقوف خفيضة. أقول ذلك دون أن أغض الطرف عما شكل في نظري فراغًا في ذلك اللقاء بعدم وجود شهادات حية - ناطقة أو مكتوبة لأفراد من أسرته ولعدد من زملائه وزميلاته الذين كان سيسعدهم قول كلمة حق في حقه كالكلمة التي غرد بها د.سعد البازعي. وككلمة د.خيرية السقاف القصيرة التي عوضت غياب أي من شهادات الزميلات. واللافت الذي يستحق قراءات تحليلية لفهم مد وجزر التغير بالمجتمع السعودي هي تلك الشريحة من السيرة التي قد يتشابه في عمومها عدد من المثقفين السعوديين وهي الانحدار من خاصرة القرى إلى ذرى أعلى مستويات التعليم العالي بجامعات غربية وأمريكية بما يحمله ذلك مفارقات على مستويى فكري ووجداني. يضاف لذلك في سيرة د. السبيل ذلك التقابل الجمالي الجدير بالقراءة بين سيرة الأب الشيخ الجليل محمد السبيل وبيت سيرة الابن المثقف العصري د. عبدالعزيز السبيل.
أسماء لا تنسى
غير أن خيط الموضوع الذي لا أريد أن يفلت من يدي في الحديث عن ذلك التكريم المستحق هو ذلك الشجن الذي أثاره اللقاء في نفسي تجاه عدد من الأسماء المؤثرة التي عاشت وعايشت تخلق ساحة الثقافة السعودية بمخاضتها الأليمة وطموحاتها الحالمة إما عبر عالم الصحافة عامة أو عبر عالم الأدب أو من خلال مجالات العمل الأكاديمي بتخصصاته المختلفة التي يستحق عديد منها الالتفات والتدوين أو على الأقل استحضار مشاركتهم عبر اللقاء معهم وإعادة تعريف الأجيال بمساهماتهم التكنوقراطية أو المضمونية في التأسيس لحراك تنويري على الساحة الثقافية بالمجتمع السعودي. وتتعدد أطياف هؤلاء من محمد سعيد طيب (صاحب الثلوثية الحوارية) وعبدالمقصود خوجة (صاحب إثنينية مبادرة تكريم الآباء والأكاديميين) وعابد خزندار -رحمه الله- وسليمان اليحيا صاحب مكتبة التراثية، إضافة لصاحب مكتبة المؤيد وصاحب دار العلوم وأيضًا عبدالله الماجد أمد الله في أعمارهم فهم أصحاب أعرق مكتبات «ثقافية» وليس قرطاسيات عرفها المجتمع السعودي حين كانت الكتب الأدبية والفكرية عملة نادرة إلى كتاب ومفكرين أو مجددين في الفكر والأدب والبحث المعرفي مثل عبدالرحمن منيف وعبدالعزيز المشري (رحمهما الله)، ومثل في المجال الصحفي وكتابة الرأي د. عبدالله مناع وأ. محمد بن أحمد الشدي وأ.إياد مدني ود.فهد العرابي الحارثي ومثل في المجال الأكاديمي د.عبدالله المعيقل ود.سعاد المانع، ود.ثريا التركي ود.سعد الصويان وكل منهم صاحب إبداع في مجال دراسات الإنثربولوجيا وعلم اجتماع المعرفة والأدب والتراث يضاف إليهم كل في تخصصه وإبداعاته د. خالد الرديعان ود. عبالواحد الحميد، د.حميد الشايجي، د. عبدالله البنيان، د. عبدالله الفيصل، د. عبدالله العثمان أ. محمد علي علوان، أ. عبدالكريم العودة، أ. عبدالله بن بخيت، د. نورة الشملان، د. فاتنة أمين شاكر (رائدة الكاتبات)، أ. جهير المساعد، د. فوزية البكر، د. حسناء القنيعير، ليلى الأحيدب، الشاعرة هدى الدغفق.د. أشجان هندي، وأ.شريفة الشملان، الأمير خالد الفيصل والأمير بدر بن عبدالمحسن والأمير عبدالرحمن بن مساعد، ود. الجوهرة بنت الملك سعود ود.مشاعل بنت محمد والقائمة تطول بمن يعيشون بيننا اليوم في الظل أو في الضوء ولكننا بحاجة لاستعادة الغائبين منهم وإعطاء الفرصة للأجيال الجديدة لاستلهام تجاربهم أو على الأقل الإطلاع عليها وتدوينها. كما أننا بحاجة وهذه نقطة ذاشجون لمصالحة ثقافية إن صح التعبير مع كل الأطياف.
والواقع أن التسامح الثقافي على ساحة ثقافية لا تضيق بالاختلاف وتتسع لكل الطروحات المعرفية السلمية هو أحد مقاييس نجاح تحول الدولة والمجتمع من حال إقصائي أحادي إلى حال لا يحمل أحقادًا على أي كان لا بأثر رجعي ولا بظنون استباقية.
أسماء لها أن تسجل في ذاكرة الأجيال
هناك عدة أسماء لا تنسى ممن أطعموا لمهنتهم زهرة العمر محفوفة بما استطاعوا من إخلاص وممن شاركوا المجتمع شظف العيش ورغد الأحلام في أوقات الشدة والرخاء إلا أنهم ما لبثوا أن تركوا المكان ليس لأنهم تعبوا وليس لأن مهمتهم انتهت أو غربت شمسهم وانطفأت شموعهم ولكن لأسباب تراوح وتتباين من رغبتهم لشخصية إلى بيروقراطية الوظائف المعهودة التي لا تميز كثيرًا بين المهن الحيوية التي يكسب الوقت أصحابها عمقًا معرفيًا لا يستغنى عنه وبين المهن التي لا تبدأ حياة أصحابها إلا بعد أن يتركوا روتين الوظيفة.
وفي هذا السياق تحديدًا يبرز اسم رائد النقد السعودي الحديث د. منصور الحازمي بإسهاماته البحثية والأكاديمية والإدارية بجامعة الملك سعود، كما يبرز اسم الأكاديمي المتميز د. حمزة المزيني وعالمة الإنثربولوجيا وكذلك يضيء اسم د. سلوى الخطيب ود. لطيفة العبداللطيف. أما على المستوى الصحفي فتطل أيضًا عدد من الأسماء الفعالة وإن شاغبنا غياب بعضها...
وهنا أتمنى اليوم على مجلة اليمامة بإشراف الشاعر والصحفي الحيوي عبدالله الصيخان أن تعد ملفًا وتقيم احتفاء بالأستاذ محمد الشدي وبالدكتور فهد العربي الحارثي وبالكادر الصحفي والتحريري وبكتاب وكاتبات اليمامة آنذاك لكلا المرحلتين، فلولا المجهود التأسيسي للشدي الذي بنى على اللبنات الأولى لبصيرة الشيخ حمد الجاسر التنويرية ولولا استلهام د. الحارثي لتلك الانطلاقة وإضافاته المتميزة عليها لما كان الكثير منا اليوم موجودًا على الساحة الثقافية التي شهدت بداية عدد من رموز اليوم الصحفية والأدبية. لعلنا بدورنا نسهم ولو في التكوين الوجداني لكتاب الغد.
ولا أنسى أن أشير لملفات جميلة عن عدد من المثقفين جرى إحياء ذكرى مشاركاتهم الأدبية والمعرفية بمجهود من د. إبراهيم التركي المشرف على المجلة الثقافية لجريدة الجزيرة.