فوزية الجار الله
أشعر بالامتنان لذلك الاختراع العجيب «اليوتيوب» الذي هو واحد من منتجات أو ربما ثمرات «الإنترنت»، هذا الاختراع المذهل أصبح مصدرًا متاحًا وميسرًا للحصول على المعلومة ومن ثم داعمًا للثقافة والمعرفة. أثناء عبوري هناك سعدت بمشاهدة لقاء تلفزيوني قديم مع الأديب عباس محمود العقاد، اللقاء من تقديم أماني ناشد، تحدث خلاله العقاد عن الكثير من المواضيع والأفكار حول حياته ومؤلفاته، وأثناء الحديث طرح موضوعًا حول التشاؤم، ورد ذلك ضمن إجابته للمذيعة حين سألته حول رقم (13) الذي كان متصدرًا باب منزله، رغم أن الأمر الشائع أن هذا الرقم هو مصدر تشاؤم للبعض، أجابها أنه اتخذ هذا الرقم لمنزله لأنه يتحدى التشاؤم ولا يؤمن به، ثم يذكر مثالاً على ذلك، أنه حين أراد إعداد كتاب عن الشاعر «ابن الرومي» حذره البعض من الكتابة عنه، وقالوا إن التجارب تقول إنه لم يسلم من واقعة أو مصيبة كل من حاول الكتابة عن هذا الشاعر. الجدير بالذكر أنه مما قيل عن ابن الرومي أنه شاعر مفرط في التطير والتشاؤم حتى أن ذلك كان يؤثر في حياته ومزاجه كثيرًا، فربما يلازم بيته أيامًا ولا يخرج بسبب حالة تشاؤم انتابته. ويتابع العقاد، متحدثًا عن تحذيرات البعض، فعلى سبيل المثال: أوصى حكمت باشا - وكان وزيرًا للمعارف - بطباعة ديوان الشاعر الرومي فسقطت الوزارة ومات الشيخ شريف الذي كان يشرف على شرح الديوان، أما كامل الكيلاني الذي شرع بطباعة مختارات من قصائد الرومي فقد توفي أبوه. ثم يتابع العقاد أنه هو ذاته بعد أسبوعين تمامًا من بدء تأليف الكتاب تم إيداعه السجن ومات (سيد كامل) مدير المطبعة. ويرى (العقاد) أن كل ما حدث كان من باب المصادفات العجيبة ليس إلا وأنه قام بمتابعة تأليف الكتاب، ويضيف: لكنني أتحدى الشؤم ولذا فإنني احتفظ بتمثال طائر «البوم» لدي وهي مثال التشاؤم!
أما أنا فقد فوجئت بهذه المعلومة، إذ إن الأمر ذاته اتبعته الكاتبة والروائية الشهيرة غادة أحمد السمان. وحقيقة لا أعلم هل هذا الاتجاه بين العقاد والسمان من باب المصادفة أم أن غادة اقتبسته من العقاد بشكل واعٍ أو لا واعٍ؟! ومهما يكن الأمر، هذا لا يقلل من مكانة الأديبة الكبيرة ولا ينتقص من قيمتها. بالمناسبة لغادة السمان كتاب بعنوان: (الرقص مع البوم) أقتبس منه سطورًا تقول فيها:-
(هل شاهدت مرة بومة في سيرك؟
إنها مخلوق يستعصي على التدجين
ويرفض التسول العاطفي ومنطق اللعبة
هل شاهدت بومة تحاول إضحاك أحد
أو جره إلى مداعبتها ككلب زينة يهز ذيله؟
هل شاهدت مرة بومة مستقرة في قفص تغرد لذلها؟
هل عرض عليك أحد شراء بومة من سوبرماركت المخلوقات الداجنة؟
البومة لا تباع،
لكنها تحلق إلى ما تحب ومن تحب أفلا تحبها؟)
وتقول أيضًا:
(قرع الفراق بابي
وحين فتحت له
أعطاني وردة الحب الآتي).