د.صالح بن عبدالله بن حميد
هو شيخنا سليمان بن محمد الرزقان، وُلد في بريدة عام 1320 تقريبًا، وتلقى مبادئ العلوم في مدرسة (كُتَّاب) الشيخ صالح الصقعبي، حفظ القرآن الكريم وهو صغير، ثم شرع في تلقي العلم عن علماء بلده حتى حصل وأدرك فتأهل للتدريس.
وقبل أن يشتغل بالتدريس في المدرسة التي أصبحت تحمل اسمه (مدرسة بن رزقان) كان يُدرِّس في مدرسة (السيف) التي كان يُدرِّس فيها الشيخ عبدالله بن إبراهيم السليم، وذلك بعد أن انتقل الشيخ عبدالله مديرًا لمدرسة حكومية من المدارس النظامية الجديدة وترك مدرسة السيف، ومن حينها استقل شيخنا سليمان بالمدرسة، وهو كما سبق من تلاميذ الشيخ صالح الصقعبي، وقد كان يساعده في التعليم في مدرسته التي تحمل اسمه: (مدرسة الصقعبي).
كما تولى شيخنا إمامة المسجد المعروف بمسجد (ناصر)، وهو ناصر السيف -رحمه الله- منذ عام 1375ه حتى وفاته -رحمه الله- عام 1402هـ، وكان يساعده في الإمامة ابنه علي، كما كان يساعده في التدريس أيضًا، كما سوف يأتي شيء من تفصيل ذلك.
وكنت أرى الشيخ سليمان يزاور والدي في منزلنا الفترة بعد الفترة.
أما دراستي في مدرسته -رحمه الله- فقد كان الوالد -رحمه الله- حريصًا جدًا في المحافظة على أوقاتنا ونحن صغار، فكان من حرصه -رحمه الله- وحكمته ومتابعته أننا في الصيف، وبعد أن تأتي الإجازة الصيفية من المدارس الحكومية يوجهنا للدراسة في مدرسة الشيخ بن رزقان، وبهذا نكون قد جمعنا بين الدراسة النظامية والدراسة في الكتاب، فكان إخواني عبدالرحمن، وعبدالعزيز، وأحمد، وأنا، نحضر عند الشيخ سليمان بن رزقان في فترة الصيف، والدراسة فيما أذكر على فترتين صباحية وبعد الظهر، والصباحية تبدأ مبكرة في حدود الساعة السابعة صباحًا وتنتهي قبل الظهر، والفترة الثانية بعد صلاة الظهر إلى قبيل العصر.
وكانت الدراسة مقتصرة على قراءة القرآن الكريم، وقبلها معرفة الحروف الهجائية على الطريقة البغدادية في حفظ الحروف بالحركات، ولا أذكر أن فيها كتابة إلا إذا كان بجهود خاصة أو ذاتية، وكنا نقرأ في أول أمرنا في اللوح حيث يكتب الشيخ الدرس المطلوب (السورة) ونقرأها ونتقنها، وقد يستغرق زمن الدرس أكثر من يوم، ثم يمسح اللوح ويكتب فيه الدرس الجديد حتى يصل الطالب إلى مرحلة القراءة من المصحف مباشرة.
ومدرسة (ابن رزقان) - وهي مدرسة السيف - مدرسة لها تاريخها في تاريخ التعليم في بريدة، وقد كُتب في ذلك بعض المؤلفات حفظت تاريخ هذا المدارس.
والمدرسة: بناء من الطين، كسائر المباني في ذلك الوقت، وهي مكونة من غرفة فسيحة ملتصق بحيطانها كراسي طينية تسمى (الحبوس) جمع حِبس (بكسر الحاء)، يجلس عليها بعض الطلاب، وأغلب الطلاب يجلسون على الأرض وعلى التراب مباشرةً، فلا يوجد فرش فيما أذكر، أما الشيخ فله كرسي من الطين مرتفع، وعن يمينه ويساره كرسيان ملتصقان به ولكنهما أخفض من كرسيه يجلس عليهما الطالبان اللذان جاء وقتهما ليقرأ حصتهما على الشيخ، وغالبًا ما يكونان من الطلاب أو الكبار.
وفي المدرسة فناء، وفيها بئر، ولا أذكر أننا نستفيد من الفناء لأن الوقت كله جلوس في هذه الغرفة الفسيحة للقراءة والدرس.
والشيخ - رحمه الله - فيه لين ورفق، والصبيان يحتاجون في كثير من الأحيان إلى نوع من الحزم والضبط، وفترة انتظامنا في هذه المدرسة لعلها ونحن في سنواتنا الأولى أو الثانية الابتدائية.
ومما يذكر أن الشيخ حينما يغيب فإنه ينيب ابنه صالحًا وفي تقديري إن سنه كان في حدود الرابعة عشرة أو نحوها، ولكنه لم يكن يضبط المدرسة وقد يكون ذلك لصغر سنه.
وقد تنوب ابنة الشيخ وهي أصغر من صالح، واسمها فاطمة، وكانت صغيرة حتى إنها لم تكن تضع شيئًا يغطي رأسها لصغر سنها، ولا أدري كيف تضبط المدرسة، فلعل المقصود هو بقاء المدرسة مفتوحة، وبقاء الأولاد الفترة المقررة صباحًا وظهراً، أما في الصيف فإن الذي ينوب عنه ابنه علي، وهو رجل شاب ومهيب جداً، ويفيد إفادة تامة، بل كان يضيف إلى القراءة، الكتابة، والحساب في عملياته الأربع: الجمع، والطرح، والضرب والقسمة، هذا ما أذكره في تلك الفترة.
ثم تبين لي فيما بعد أن عليًا هذا كان ذا عقلية علمية متفتحة، فقد التحق بالمعهد العلمي في أول دفعة عند افتتاحه عام 1373هـ، بل كان يحضر دروس والدي - رحمه الله - وحسب تعبير الشيح محمد العبودي في معجم أسر بريدة يقول: (لازم الشيخ عبد الله بن حميد).
ثم تخرج من المعهد في أول دفعة، ثم التحق بكلية الشريعة في الرياض. وقد أصيب بمرض في شبابه، ثم توفي -رحمه الله.
المقصود أنه كان في مدرسة والده - على ما أذكر - مفيداً ومهيباً. وقد أدركت بعد ذلك أنه لم يكن ليفعل ذلك لولا ما وهبه الله من عقل، وفضل، وحرص على بر والده ومساعدته، بل كان ينوب عن والده في إمامة المسجد، ثم تولى الإمامة أصالة, واكتفى والده بالأذان كما ذكر ذلك الشيخ العبودي في معجمه - رحمهم الله جميعًا.
وحينما أقول ذلك في حق علي - رحمه الله - فهو لأن من من كان في مثل سنه وفي ذلك الوقت في أول بدء التعليم النظامي الحديث قد يدخل في النفس زهو أو استنقاص للتعليم القديم، وبخاصة تعليم الكتاتيب لما فيه من بساطة، وضعف في الإمكانات، وفي الأداء، لكن هذا الشاب علياً لم يستنكف عن مساعدة والده بجدية وإفادة -فرحمهم الله جميعاً.
ثم إن المدرسة أغلقت عام 1379هـ تقريباً، واقتصر الشيخ على الإمامة في مسجد ناصر ثم الأذان لأن ابنه علياً تولى الإمامة كما سبق إلى أن توفي الشيخ -رحمه الله- عام 1402هـ، بعد أن تولى التدريس في المدرسة وإدارتها أكثر من عشرين عاماً، والإمامة في المسجد قرابة ثلاثين عامًا، فرحمه الله، وأحسن إليه وأجزل مثوبته لقاء ما علم وربى، وأصلح عقبه وذريته، إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.