فهد بن جليد
متلازمة الانشغال بالهاتف وتصفُّح المواقع الإلكترونية أثناء القيادة ما زالت مشاهَدة وقائمة؛ فلم تنجح الغرامات ولا الأنظمة في فصلها، ليس في مجتمعنا فحسب، بل في مختلف دول العالم، إلا أن الظاهرة في شوارعنا آخذة في الازدياد نتيجة عوامل عدة، أهمها - برأيي - ضَعْف الرقابة؛ وهو ما يعني أننا بحاجة للتوعية بالكوارث الوخيمة التي يخلفها الانشغال بالهاتف أثناء القيادة، الذي وصل إلى الطرق السريعة أثناء السفر بين المدن. وأذكر أن أحد الأصدقاء تعطلت سيارته نتيجة انتهاء الوقود بين الرياض والدمام؛ لأنه ببساطة لم ينتبه لمؤشر (الوقود بالسيارة) بسبب انشغاله طوال الرحلة بتقليب الهاتف وتصفحه! وهذه صورة تعكس حال المنشغلين بهواتفهم حتى عما يدور داخل المركبة. نحن بحاجة لمضاعفة كاميرات المراقبة، والجهد أكثر في الشوارع داخل المدن؛ حتى يشعر كل قائد مركبة بأنه تحت المجهر بالفعل؛ ويتوقف عن الانشغال بهاتفه.
التقيت الكثير من الشباب الذين فقدوا أطرافهم، أو أصبحوا من ذوي الإعاقة وحبيسي المقاعد المتحركة نتيجة حوادث السير المرتبطة بالانشغال بالهاتف. الفرصة لن تعود لهم مرة أخرى، ولكنهم يحاولون تنبيه غيرهم. وكل مَن أحبه وأشاهده منشغلاً بهاتفه أدعوه لزيارة مراكز التأهيل والمستشفيات؛ ليكتشف بنفسه العواقب الوخيمة للانشغال بالهاتف أثناء القيادة. وليت المرور يضع من ضمن الغرامات زيارة مثل هذه الأماكن، وقضاء بعض الوقت مع المصابين؛ لنعلم أن نحو 80 % (ثمانين في المئة) من تصرفات قائد المركبة المنشغل بالهاتف تشبه إلى حد كبير تصرفات (السائق المخمور)؛ لأنه لا يشعر بما يدور حوله، ويتصرف دون تركيز؛ فهو لا يستوعب ما يجري بالقرب منه، ولا يتعاطى مع الأمور بالطريقة الصحيحة والمفترضة، ولا يمكن التنبؤ بتصرفاته وردود فعله؛ ما يُنتج الحوادث المميتة والقاتلة.
لن ألوم قائد المركبة فقط؛ فليس هو الوحيد المنشغل بهاتفه أثناء القيادة؛ ففتنة الانشغال بالهاتف أصابت الراجلة والراكبة والواقف والقاعد وحتى عامل النظافة في الشارع.. وهناك حوادث تقع خارج المركبة مرتبطة بالانشغال بالهاتف، منها السقوط في الحُفَر والمسابح، أو التعثر أثناء السير على الأقدام، أو الارتطام بالأعمدة.. آخر موضة شاهدتها هي لنادل مطعم، يحمل الأطباق للزبائن بيد، ويسرق النظر وهو يقلب هاتفه باليد الأخرى!
برأيي، لن نستطيع فك هذه المتلازمة إلا بعد أن يدفع الإنسان ثمن الانشغال بأي صورة. والعاقل من اتعظ بغيره.
وعلى دروب الخير نلتقي.