فضل بن سعد البوعينين
أنهت الاتفاقية الملحقة باتفاقية التقسيم، التي وقَّعها سمو وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز، ووزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد الصباح، قضية الحدود البرية والبحرية بين المملكة والكويت. وبالرغم من ثبوت الإطار القانوني التاريخي للحدود، وإبرام اتفاقية التقسيم عام 1965م، إلا أن ملف الحدود شكَّل هاجسًا لقيادتَي البلدين، خاصة بعد توقُّف إنتاج النفط من المنطقة المقسومة، وبروز وجهات نظر تتطلب المعالجة وفق «توافُق» قانوني مستدام، يضمن إغلاق الملف، ويمنع ظهور أية تأويلات قانونية، قد تتسبب في إثارة اختلافات غير مرغوب بها مستقبلاً.
سمو وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان شدَّد على أن المملكة لم تبحث خلال مرحلة المفاوضات في السنوات الماضية عن اتفاق، بل «توافُق مع الأشقاء الكويتيين»، وأن العلاقة الأخوية بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وأخيه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، تعد قدوة لشعبَي البلدين، وأنها «أساس الشراكة الكويتية السعودية، وأبلغ تجسيد لها». الأمير عبدالعزيز أكد أيضًا الدور البارز لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان «في التوصُّل للاتفاق ومذكرة التفاهم مع الكويت».
جمع الأمير عبدالعزيز بين مهام وزارة الطاقة ومسؤولية توقيع الاتفاقيات النفطية، والمهام الدبلوماسية التي أنجزها بكفاءة، أسهمت في تحقيق الأثر الإيجابي على الشارع الكويتي الذي تعامل بحساسية مع ملف الحدود.
وبالرغم من أهمية اتفاقية التفاهم الموقَّعة بين وزيرَي نفط البلدين، التي سمحت باستئناف الإنتاج من الحقول المشتركة بعد نحو 5 سنوات من التوقف، إلا أن إغلاق ملف الحدود بشكل نهائي سيضمن - بإذن الله - استدامة الإنتاج بعيدًا عن أية معوقات قانونية، اعتمادًا على تثبيت خط الحدود، وتحديد السيادة وآلية الاستثمار المشترك، وتنظيم العلاقة مع شركات النفط العاملة في المنطقة.
من الطبيعي أن يستأثر الجانب النفطي وعودة 500 ألف برميل للأسواق بالأضواء والتغطيات الإعلامية، وردود الأفعال الدولية، غير أن ما يهم المنطقة وشعوبها هو إنجاز وإغلاق ملفات الحدود، والانطلاق نحو المستقبل بشراكة اقتصادية عميقة، وعلاقات دبلوماسية وثيقة، تحقق الأهداف المشتركة، وتعزز التنمية والاستقرار، وتزيل في الوقت عينه المناطق الرمادية التي يمكن للمتربصين استغلاها مستقبلاً.
عملت قيادة المملكة خلال العقود الماضية على إنهاء القضايا الحدودية مع دول الجوار بالطرق الدبلوماسية النزيهة، المحاطة بالحكمة والأناة، والمباحثات السياسية العميقة التي تحكمها العلاقات الأخوية وحُسن النوايا، والرؤية المستقبلية الجامعة لدول الخليج والمنطقة بشكل عام.
لم يسبق لقيادة المملكة استغلال الفرص والمتغيرات السياسية لتحقيق مكاسب حدودية، أو التأثير على الأشقاء، بل أعطت بسخاء من أجل تحقيق التوافق المأمول لما فيه مصلحة المنطقة وشعوبها.
لا وجود لمعادلة الربح والخسارة بين الأشقاء؛ فالجميع رابح بعد إغلاق الملف الحدودي بين المملكة والكويت، وتعزيز الشراكة، وعودة إنتاج النفط من المنطقة المقسومة، وتعزيز الاستثمار المستقبلي في قطاعَي النفط والغاز، الذي سيعود بالنفع على البلدين بشكل عام، وتنمية المنطقة المقسومة وما جاورها بشكل خاص.