د. صالح بكر الطيار
قضيت عقودًا في باريس، وانتقلت أيضًا بين دول عالمية عدة بحكم عملي، وواجهت العديد من الصعوبات والمتاعب في بداياتي عبر الدراسة، وأيضًا في عملي، ولكني تغلبت عليها بالصبر.
وبعد هذه السنين الطويلة وقفت أستعيد بالذاكرة ما جنيت من الغربة حيث البُعد عن الأهل، وعن الأماكن التي اعتدت أن أعيش فيها طفولتي وشبابي.
وجدت أن للغربة فوائد أيضًا؛ إذ إنها تعلمك وتطلعك على الثقافات المتعددة وسط الشعوب الأخرى.
ولمست أيضًا التعاون والتعاضد بين أبناء الوطن الواحد، وتعلمت أن كل مواطن في الغربة سفيرٌ لوطنه؛ عليه أن يعكس كل القيم الوطنية التي تشربها في وطنه، وأن يوظِّف ما تعلمه من تربية صالحة كون التحديات كثيرة، والثقافات متشعبة؛ حتى يعيش في رضا عن نفسه وعما قام به.
بعد هذه السنوات التي قضيتها في الغربة حرصت على أن أنقل لأبنائي وأقاربي ومعارفي عن المصاعب، وكيفية التغلب عليها.
وقد قابلت العديد من المبتعثين والمبتعثات في الخارج، وأسديت لهم النصح من واقع تجربة عشتها في بلاد الغربة؛ لأنه من الواجب عليّ أن أكون عونًا وسندًا لأبناء وطني في الخارج؛ لأني سبقتهم في ذلك، وحتى أكون سفيرًا لوطني في مساعدة أبنائه، والوقوف معهم.
وقد استفدت كثيرًا من الدروس التي تعلمتها، ونقلتها للآخرين، وكانت النتائج مثمرة في علاقات مميزة تربطني بكل أبناء الوطن في الخارج.
الحياة فيها من العِبر الكثير، كما أن فيها متاعب ومصاعب كثيرة، وخصوصًا في الاغتراب، إلا أن هنالك فوائد ومنافع في المقابل، يجنيها الإنسان.
وكما أن هناك تحديات ومخاطر فإن في الجانب الآخر أمورًا يستفيد منها الإنسان متى ما عرف التعامل معها، واستفاد من علمه وخبرته ومن تجاربه.
في الغربة دروس متعددة، سأنقلها في قادم الأيام في إنتاج معرفي؛ لتكون أمام الأجيال القادمة لحرصي الشديد على أن ينتفع بها الآخرون.
نحن في عصر متطور، وتحول كبير، يجب أن يستفاد منه في تهيئة الأجيال القادمة؛ ليكونوا عماد الوطن في الداخل والخارج؛ حتى يكون الجميع مشاركًا في صناعة تنمية الإنسان والمكان.