د. أحمد الفراج
تساءلت في المقال الماضي عن موقف الديمقراطيين من الرئيس ترمب، وكتبت أن محاولاتهم لعزله تعتبر ممارسة ديمقراطية مكتملة الأركان، نصّ عليها الدستور، ولكنني أكّدت على أن ممارستهم لهذا الحق الديمقراطي ليس بريئا بالمطلق، مهما كانت خطيئة ترمب، فهم في حالة عجز كامل، لدرجة أنهم مقتنعون أنهم لن يستطيعوا هزيمته في الانتخابات القادمة، سواء قالوا ذلك أو تكتموا عليه، ويزيد من مأساتهم، تنمّر ترمب وسلاطته، نتيجة ثقته بإخلاص جمهوره له، وترمب حالة فريدة في التاريخ السياسي لأمريكا، فهو ربما الرئيس الوحيد، الذي لا يؤمن إلا بما يراه هو، ولا يتقبل آراء مستشاريه بسهولة، عدا عدد محدود جدا، مثل ابنته افانيكا وزوجها جاريد كوشنر، وهذا ما يُصعّب من مهمة خصومه، الذين لا يعرفون كيف يتعاملون مع مثل هذه الحالة الفريدة، وهذا ما جعلهم يحسمون أمرهم بأن الحل الوحيد مع هذا الرئيس هو عزله عن طريق القانون، خصوصا وأنهم هم الأغلبية في مجلس النواب، ولكن لم يفلحوا حتى في هذه المحاولة اليائسة.
كنت أتحدث في هذا الأمر مع زميل أمريكي، وهو باحث في الشأن السياسي، ولا يخفي خلافه واختلافه الجذري مع ترمب وسياساته، فهو ديمقراطي عتيد، ينتمي لأقصى اليسار، الذي يمثله حاليا المرشح للرئاسة، برني ساندرز، ومع ذلك فهو يعترف الآن بأن ترمب ظاهرة عجيبة، من الممكن أن تنظر إليه من زاوية، فتظن أنه غير مؤهل ليتسنم عمودية مدينة صغيرة، ثم تنظر إليه من زاوية أخرى، فتظن أنه زعيم عالمي، لديه القدرة على ممارسة القيادة، سواء في سياساته الداخلية أو الخارجية، ويضرب مثلا على ذلك بقدرة ترمب على السيطرة على حزب لينكولن، أي الحزب الجمهوري، الذي كان معظم أركانه ضد ترمب، ثم أصبحوا اليوم يسيرون خلفه وخلف سياساته، بل ويدافع كثير منهم عنه باستماتة، ووصول هذا الزميل لهذه القناعة تجاه ترمب يعبّر - من وجهة نظري - عن حالة اليأس، التي وصلها خصوم ترمب، بعد كل المحاولات التي بذلوها لتدمير صورته، منذ أن فاز بالرئاسة، ومن يتابع الإعلام المضاد لترمب، يلحظ - ولو على استحياء - بوادر يأس من زعزعة مكانته، وسيتواصل الحديث.