عبد الله باخشوين
أسوأ الكُتاب هم ذلك النوع الذي لا يعرف متى يتوقف.. ويترك (النص المكتوب) يمضي لشأنه. ذلك أن لـ(النص) حياته (الخاصة) التي يعيشها مستقلاً عن كاتبه.. غير أن الكاتب (غير الموهوب) يظن أنه (يطيل) عمر ما كتب بالمضي فيه.. دون أن يدرك أنه (يفصل) لما كتب ثوباً فضفاضاً طويلاً سوف يتعثر فيه ويسقط مع أول خطوة يخطوها وحيداً بين أقرانه - لا يهم- كانوا قصة أو رواية أو قصيد.
لذلك يموت الكتاب والشعراء وهم أحياء يدبون في دروب الحياة على قدمين.. ويلهجون على صفحات الصحف بغث الكلام.
(ايووه بالظبط)... مثلي تماماً.. لأنهم (موو زيك) مبدعين.. يا صاحب المعنى..؟!
وأخطر نقد تسمعه في (القهوة المصرية) التي يرتادها (أهل الأدب) هو الذي يقول:
- لو شال نص المكتوب يطلع العمل كويس-؟!
غير أن أطروحات (النقد المكتوب) هي أكبر مضلل في الثقافة العربية.. لكن الحمد لله.. انتهى (النقد) وراح في حال سبيله..؟!
لكن أن ما يؤسف له هو أن الكُتاب والمبدعين الجدد لم يفرزوا نقادهم بعد.
أما الأخطر فهو.. أن الثقافة (الجديدة) لم تشكل هويتها ولم تتضح لها أبعاد وملامح تتناسب وحجم الطموح الذى يعول عليها.. وبمعنى آخر لم تحتشد وتقفز قفزتها الكبرى بعد. فما زالت في طور التشكل. وبقدر توقها للانفصال عن (ثقافة الماضي) - (حقتنا يعني) لم تجد -بعد- الأرضية التي تقف عليها.
حيث أن الثقافة الجديدة تعاني من وجود زحام شديد بين صفوفها متنوع وطموح.. وتعاني من صراع غير مفهوم بين ثقافتين.. ثقافة عربية منهارة ومنتهية.. وثقافة غربية مكتسبة لم تملك بعد ذلك (التناغم) والانسجام الذي يؤكد استقلاليتها ويعيد دمجها في الروح (العربية) بهوية جديدة تمثل الجيل العربي الجديد وتضعه في حالة تفاعل مع الهم الإنساني العام بطريقة (عاطفية) منعتقة تماماً عن (الإرث) العربي إذا صح التعبير.
سابقاً كانت (الثقافة العربية) تخوض معركة الصراع بين القديم والجديد فيما اصطلح على تسميته بـ(صراع الأجيال) غير أن الحال اختلف تماما.. فليس لدى الجيل الجديد صراع يخوضه في مواجهة أجيال أخرى.. بل إن الأمر أصبح.. مولد لجيل جديد على (أنقاض) أجيال تآكلت وفرضت (انقراضها) بعدم قدرتها على التفاعل والمواكبة.
منذ مطلع القرن الجديد.. تآكلت الثقافة العربية (أكلت نفسها) نتيجة لعدم قدرتها أو عدم تفاعلها مع معطيات إنجازات التقنية أو فهم طبيعة الصراعات المذهبية والعرقية والمعرفية الجديدة.. وعدم -وهو الأهم- قدرتها على تجديد أدواتها وخطابها بما يجعلها قادرة على التفاعل مع الأجيال الجديدة التي نشأت وكبرت وخلقت مكوناتها في ظل ثقافات جديدة.. وأدوات جديدة وخطاب منفصل عن خطابها العربي الذي كان (ملجوماً) بفعل عجزه عن المواكبة.. والقدرة على الفعل.
لقد نشأت مفاصل جديدة لخطاب آخر.. وتكونت ثقافة (بصرية) بلغة خطاب لا يتناسب ولغة خطاب (الإنشاء) التقليدي والمحفوظ.
اختلفت طبيعة العلاقة بالثقافة و(أبجدياتها) الجديدة عن تلك الموروثة وأصبح هناك أكثر من (قاموس) يكمن القول إنها منقطعة تماماً عن أبجدية وأصول القاموس التقليدي في الفن والأدب.
ربما هذا هو السبب الذي أشرنا إليه بالقول بـ(الزحام) الذي جاء بالثقافة الجديدة دون أن يبلورها في سياقات واضحة ومحددة.. خاصة في ظل هيمنة (القديم) على وسائل التعبير.. وربما -أيضا- لتطرف الجديد -في أسلوب طرحه وأدواته المقترحة- لأن هناك رهاناً كبيراً على فاعلية إيجابية العلاقات الناشئة إنسانياً وعملياً.. التي تقترح نفسها بديلاً.. لشيء غائب ولا يكاد يكون له وجود مؤثر في حركته الطويلة عبر ما يقرب من خمسين عاماً مضت...
أكيد للحديث بقية... بمشاركة آخرين أكثر فهماً ودراية.