د.عبدالله بن موسى الطاير
نُعتت السلطنة العثمانية بالرجل المريض في أواخر أيامها، ويمكن استعارة الوصف لخلعه على العرب الذين يعبرون مرحلة هي الأصعب في حياتهم السياسية، التي بالكاد تطوي قرنها الأول. أفضل دولة عربية يمكن تشخيص حالتها اليوم بالمستقرة، أما البقية فتداخلها علل بعضها يرجى برؤه، والأخرى ميؤوس من عودتها للحال الذي كانت عليه قبل فيروس عام 2011م.
نظرة عاجلة إلى منطقتنا قبل مائة سنة (1915 - 1923م) كافية لتصور الحال ونحن نبدأ المائة الثانية في تاريخ العرب المعاصر. حينئذ كانت الدول الاستعمارية المؤثرة بريطانيا وإيطاليا وفرنسا تعمل سرًا على تصفية السلطنة العثمانية وتقرير مصير العرب، لكن القرار لم يتخذ حتى عام 1920م في معاهدة سيفر التي أذلت الدولة العثمانية. بضع سنوات شهدت عدة معاهدات واتفاقيات حضرت أمريكا بعضًا منها وغيبت عن أخرى؛ بدأت ملامح العالم العربي تتشكل خلف الأبواب الموصدة (1915- 1916م) بين يدي جورج سايكس البريطاني وفرانسوا بيكو الفرنسي وبحضور روسي، وبقيت سرًا حتى وصل الشيوعيون إلى السلطة في روسيا وفضحوا الخطة، ثم اتفاقية فرساي عام 1919م التي وضع بنودها كل من رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا كلمينصو، ورئيس الوزراء البريطاني لويد جورج، والرئيس الأمريكي وودرو ويلسون، تلتها اتفاقية سان ريمو عام 1920، فمعاهدة سيفر على مسافة 4 أشهر منها، وأخيرًا اتفاقية لوزان 1923م.
قرن من السنوات العجاف عصفت بالعرب، فلا هم نالوا استقلالهم لينضموا إلى ركب الحضارة والتقدم الصناعي، أسوة بدول تحررت بعدهم بعدة عقود، ولا هم بقوا في ربقة الاستعمار فيعذرون به عن عدم تحقيق رفاهية شعوبهم وتقدمها. واليوم تقف هذه الدول عاجزة عن إدارة أمنها العربي، وتوجيه بوصلتها نحو هدف مشترك، فقد أمست نهبًا لأطماع دول إقليمية غير عربية، وتتسول الحماية من مستعمرها القديم، الذي تحول إلى حاجب على بوابة القرار الأمريكي.
روسيا التي ترزح تحت ثقل الثأرات من أمريكا والغرب قررت أن تفرض وجودها، واقفة على الأرض العربية لتنتزع نصيبها من تركة العرب؛ دخلت سوريا، وتمددت إلى ليبيا وهي ليست بعيدة عن العراق ولبنان. الجمهورية التركية التي ورثت الهزيمة العثمانية تتحرك بقوة من قطر والعراق شرقًا إلى ليبيا وتونس غربًا، وكأنها تستبق مصير هذا العالم الناطق بالعربية الذي يكتب في مكان ما من هذا العام، وتخرج بشيء منه.
العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين يشرق على قادة من نوع مختلف في كل من أمريكا وروسيا وبريطانيا وتركيا، ولا أظن مصير الدول الناطقة بالعربية إلا بين يدي هذه الدول. إيران على الرغم من قوتها على الأرض في غير بلد عربي لا تثير انتباهي، فهي مستهدفة أيضًا ولن تبقى على حالها.
إبان كتابة مصير الدول الناطقة بالعربية بسلخها من جسد السلطة العثمانية كان الملك عبدالعزيز -رحمه الله- يقرأ المشهد بعناية ويتصرف بحذر شديد ليستفيد من تنازع الدول الكبرى على التركة العثمانية، معتمدًا على قوته على الأرض وترحيب الناس به، فضم في تلك الفترة الحجاز إلى نجد ليوحد دولته، ويفرض وجوده واقعًا لا مفر من الاعتراف به والتعامل معه. واليوم، وبعد مائة عام، يشار بالبنان إلى الأمير محمد بن سلمان كقائد قوي في المنطقة، يعترف له بقوة الشكيمة، وشدة البأس الذي يتفقون معه أو يختلفون، ولا أظن اسمه يغيب عن بوتين روسيا، وترامب أمريكا وبوريس بريطانيا، وبالتالي فإنه لن يكون بمنأى عن أي شيء يخص مستقبل هذه المنطقة من العالم.
مبررات الشراكة السعودية في إعادة توزيع خريطة الشرق الأوسط منطقية، فهي منذ تأسيسها تبني وتطور الإنسان والمكان، وضامن رئيس لمسيرة الاقتصاد العالمي، وحارس أمين ليس فقط على المقدسات الإسلامية، وإنما على محتوى الخطاب الديني الذي حافظ على توازن عقلاني في أخطر الظروف التي مرت بها المنطقة والعالم. خطبة واحدة من الحرم المكي الشريف كانت قادرة على تقسيم العالم إلى فسطاطين متحاربين، وعلى زعزعة السلم الداخلي لدول عديدة تقطنها جاليات مسلمة كثيرة، إلا أن الدولة السعودية، وعلى مدى مائة عام، أثبتت أنها قوية في تحمل مسؤولياتها تجاه الأمن والسلم العالميين والتنمية المستدامة.
2020م سيكون له بصمة بينة على مستقبل العرب، والرجل المريض الناطق بالعربية ينتظره قدر لا مفر منه، وإن غدًا لناظره قريب.