منصور ماجد الذيابي
ما أن علمت الدول والشعوب الإسلامية بانعقاد قمة كوالالمبور في ماليزيا حتى سارعت بالإعراب عن استيائها ورفضها لمؤامرة قطر وتركيا وإيران وماليزيا رغم قناعة هذه الدول بأن قمة كهذه لن تشق الصف الإسلامي حتى وإن انتهكت باجتماعها هذا بنود ميثاق العمل الإسلامي المشترك التي أقرتها تلك الدول الأربع تحت قبة منظمة التعاون الإسلامي.. حيث تتحد من خلاله الكلمة الإسلامية في بيان مشترك, ويعتصم المسلمون بحبل الله جميعاً دون أن تتفرق كلمتهم وتنحرف مسيرتهم عن الطريق القويم لمجرد تحقيق مآرب سياسية لا تخدم مصالح الأمة الإسلامية ولا تصب في مصلحة قضايا شعوبها التي ترى أن انعقاد أي قمة لا تحضرها المملكة العربية السعودية «قلب العالم الإسلامي», فإنها لا تعتبر قمة إسلامية مصغرة فحسب, بل قمة محرضة لتمزيق شمل العرب والمسلمين, وخطف لواء الوحدة الإسلامية الذي حملته وتحمله المملكة العربية السعودية, بلاد الحرمين الشريفين وقلب العالم الإسلامي ومحط أنظار الشعوب الإسلامية ومهوى أفئدتهم.
مما لا شك فيه أن تكتل ماليزيا وتركيا وإيران وقطر، يسعى إلى تشكيل محور ممانعة جديد بهدف تحقيق طموحات تكاد تكون أضغاث أحلام غير قابلة للتحقيق في ظل العلاقات الوثيقة بين الدول الإسلامية الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي وبين الدول الإسلامية وبقية دول العالم. ولأجل ذلك فقد أرادت كل من إيران وتركيا أن تستدرجا ماليزيا لهذا التحالف باعتبارها دولة إسلامية ذات ثقل اقتصادي في جنوب شرق آسيا، إذ تعتقد إيران وتركيا أن انضمام ماليزيا قد يساعد -وفقاً لاعتقادهم- بانضواء دول شرق آسيوية أخرى تحت عباءة التكتل التركي والإيراني والقطري في الشرق الأوسط.
وبرفض غالبية الدول الإسلامية المشاركة في أعمال القمة أو حتى حضور ممثلين عنها، فقد بدا واضحاً فشل خطة انضمام دول إسلامية لهذا التكتل الذي ولد معوقاً ومشوهاً وميتاً دماغياً. ويبدو أن الدول الأربع كانت قد أجرت تفاهمات سرية قبل الإعلان المفاجئ عن القمة، الأمر الذي أذهل المراقبين وصناع القرار العربي حول انفراد هذه الدول باتخاذ القرار والإعلان عن انعقاد القمة قبل التشاور مع زعماء الدول الأعضاء والتنسيق مع الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
من خلال هذه المعطيات البسيطة، هل يمكن القول إن هذه المنظومة الجديدة التي آثرت التغريد خارج السرب ستكون حقاً حريصة على قضايا المسلمين ومساعدة الدول الإسلامية في التغلب على التحديات التي تواجهها اليوم؟.. لو كانت هذه الدول الأربع حريصة على العمل الإسلامي المشترك ووحدة الصف الإسلامي لما انفردت بقرار عقد القمة قبل حصولها على موافقة بقية أعضاء المنظمة الإسلامية.. فإيران، ومن خلال استعراض إنجازاتها المدمرة والمزعزعة لأمن المنطقة العربية تقدم لنا دليلاً عملياً يدينها بالتورط في دعم الجماعات والميليشيات الإرهابية المسلحة في عدد من الدول الإسلامية لزرع الفتن، وإشعال فتيل الحروب، وزعزعة الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتهديد أمن الملاحة البحرية في المياه الدولية.
بالنسبة لتركياً، فالأمر لا يحتاج إلى دعاية إعلامية تؤكد تعاطفها مع الأمة الإسلامية وحرصها على قضايا الأقليات المسلمة في العالم، فوجود قواتها العسكرية في شمال سوريا وأيضاً في قطر ومؤخراً في ليبيا الجريحة إنما يعطي الرأي العام العالمي إشارة واضحة بنزعة الحكومة التركية تجاه فرض هيمنتها عسكرياً في دول كانت آمنة ومستقرة. هذه النزعة التركية في التمدد والتوسع والتدخل عسكرياً في المنطقة ليست وليدة اليوم وإنما جاءت نتيجة للدروس المستفادة أردوغانياً من تاريخ الدولة العثمانية في المنطقة العربية تحديداً.
وكما أشرت سابقاً في مقال بعنوان: «وصلت إلى ليبيا بعد خراب سوريا».. فقد كانت القوات التركية وصلت إلى ليبيا ودخلت في دائرة الصراع الليبي هناك بعد قيامها في شهر أكتوبر تشرين الثاني 2019 بإطلاق عملية «نبع السلام» للهجوم على شمال شرق سوريا.
عموماً، فإن الحكومات والشعوب الإسلامية لا تقبل بعقد أيّ قمة إسلامية دون التشاور مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين -حفظهما الله-. كما لا تقبل الدول الإسلامية عقد قمة إسلامية خارج مظلة منظمة التعاون الإسلامية، وبدون حضور المملكة العربية السعودية باعتبارها الدولة الإسلامية الكبرى في العالم الإسلامي.. وبالتالي فإن أيّ محاولات أو مؤامرات لشق الصف العربي الإسلامي ينبغي أن تواجه بعقوبات اقتصادية تفرضها الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.