خالد بن عبدالكريم الجاسر
العدل لا تمطرُه السَّماءُ
والجور قد يرفعُه الدعاءُ
والظلم لا يغالبه نحيبٌ
والحق لا يناصره البكاءُ
فلا تركع لغير الله يوماً
فخلق الله أصلهمُ سواءُ
همزية رائعة عنوانها العدل لا تمطره السماء للشاعر أحمد بن الصديق، تتضمن الكثير من المعاني السامية والأخلاق الحميدة، وترسم للمسلم طريق العزة وسبيل الخلاص، فلا ينبغي لمن تمسك بالعدل أن يخاف أحدًا، فقد قيل: إن العدول لا يخافون الله تعالى، أي: لا خوف عليهم منه، إذا اتبعوا رضاه، وانتهوا إلى أمره.. وكيف نخشى غيرنا، فكانت العدالة مانعةً مُحبطةً لأي استهداف أو مسعى من قبل أي دولة أو جهة تريد المتاجرة والتدخل في شؤونها الداخلية بعد أن حاول كثير من الأطراف الإقليمية والدولية استغلالها للإساءة إلى المملكة ودورها المحوري في المنطقة، عبر التعليق على الأحكام القضائية التي صدرت بحق مرتكبي قتل المواطن السعودي جمال خاشقجي -رحمه الله-، فمنذ أول يوم، كانت قرارات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله-، حاسمة بأن الجميع سواسية لا استثناء لأحد مهما كان، ليُحاسب على فعله المُشين بحق وطنه ومجتمعه وقبلهما نفسه التي سواها الخالق، ليبقى دور الدولة وعدالتها لضمان عدم تكرارها، وهو ما رأيناه في استقامة السلطات القضائية السعودية بإنصاف وشفافية الجهات العدلية لتحقيق شريعة الله بأرضه مع كل الأطراف على مرأى ومسمع وشهود من سفراء دول كُبرى لجلسات المحاكمة، والمُنظمات الحقوقية، وحتى أبناء المجني عليه، فالمملكة ليس لديها ما تُخفيه، لذلك كانت الشفافية سباقة لعدالتها، فأرسلت ما يقارب من 13 «إنابة قضائية» إلى الجهات التركية لإمدادها بما لديها من أدلة وقرائن تتعلق بالقضية، لكنها لم ترد إلا بواحدة فقط.
لينكشف لنا زيف محاولات تسييس القضية، والتي سعت لها أطراف خارجية، لتحويل أنظار الرأي العام من قضية جنائية إلى جريمة سياسية، ليصدق القول المأثور: «إن القوانين التي تلجم الأفواه، وتحطم الأقلام تهدم نفسها بنفسها».
فمن عمل بالعدل فيمن دونه، تأييداً لرأي صلاح، نجل جمال خاشقجي في ذكرى مقتل والده بأنه «لَجَمَ» لكل ما يُثار حول هذه القضية، رغم فشل أردوغان وخامنئي إيران وحوثييها وغيرهم من المبتذلة في تحصيل أي مكسب سياسي أو مادّي من الضجيج الكثيف والمتواصل الذي حرص على إشاعته حول القضية سعياً لإبقائها في دائرة الضوء.
لقد ثبت للجميع أن النيابة أثبتت شفافيتها وتزويد المحكمة بالأدلة والقرائن الثبوتية، خلال فترة زمنية قصيرة 11 شهرًا، رغم ثقل القضية وتعدد أطرافها حول (31) شخصًا، بإيقاف (21) منهم، واستجواب عشرة دون توقيف؛ لعدم وجود ما يَستوجبُ إيقافهم، ليأتي الحُكم بحق القصاص من خمسة، هم المُباشرون والمشتركون في القتل، وسجن ثلاثة لمُخالفة الأنظمة وتسترهم على هذه الجريمة، ورد المحكمة طلب المدعي العام الحكم بعقوبة تعزيرية على ثلاثة من المدعى عليهم لعدم ثبوت إدانتهم، إلى جانب حفظ الدعوى بحق عشرة أشخاص والإفراج عنهم لعدم كفاية الأدلة.
حُكم «لَجَمَ» به ثانيةً صلاح جمال خاشقجي كافة الألسن المثرثرة، واقفاً على مبدأي العدالة، التي شهد لها القاصي والداني، قائلاً في تغريدة على حسابه بتويتر: «إنصاف القضاء يقوم على مبدأين، العدالة وسرعة التقاضي، فلا ظلم ولا مماطلة. اليوم القضاء أنصفنا نحن أبناء المرحوم، بإذن الله جمال خاشقجي، ونؤكد ثقتنا في القضاء السعودي بكافة مستوياته وقيامه بإنصافنا وتحقيق العدالة، الحمد لله والشكر له».
ولا أفضل في القول من بيت لشاعرنا السابق أختتمُ به هذا المقال:
ومَنْ يَلجَأ لنور الله يُفلِحْ
ونور الله ليس له انطفاءُ