محمد آل الشيخ
تجربة الصين أثبتت أن الدول تستطيع أن تحقق قدرًا جيدًا من النمو الاقتصادي لشعوبها، وأن هذا النمو يكون بمنزلة السياج الذي يحميها من عواصف الثورات والفتن. وليس بالضرورة إطلاقًا أن الديمقراطية في كل الأحوال والأمكنة والأزمان يمكن أن تبني دولة آمنة مستقرة ومزدهرة، كما يصور لنا منظرو الغرب وأساطين فلاسفتهم ذلك. الديمقراطية تحتاج قدرًا من الوعي الاجتماعي وصفات لدى الأفراد لتحقق أهدافها لإنماء المجتمع وتطويره، ومتى ما غاب هذا الوعي عن أفراد المجتمع، وأهمها الفردانية على وجه الخصوص، أو استقلال القرار الفردي وطغت على الفرد التصرفات الجمعية، فسوف تتحول هذه الديمقراطية إلى فوضى اجتماعية عارمة، وينعدم الأمن والاستقرار، وفي أحايين كثيرة قد تنتهي بهذا المجتمع إلى الحرب الأهلية؛ بمعنى أن الوعي الاجتماعي والفردانية بمنزلة (البيئة) التي هي شرط الضرورة لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة.
وبنو يعرب في أغلبيتهم أمة ليست بيئتها ولا مواصفات أفرادها، بل وهويتها، يُمكن أن تُشكل بيئة صالحة لقيام كيان ديمقراطي سياسيًا، لهذا كله فإن جميع الدول العربية المعاصرة التي اتخذت من الديمقراطية الحقيقية منهجًا كانت تنمويًا دولة فاشلة، أو تراوح مكانها. كما أن ألد أعداء النظم الديمقراطية على الإطلاق هي (الطائفية) لأنها تنسف أهم مقومات الديمقراطية وهي المساواة بين أفراد المجتمع الواحد، فأهم مبادئها منذ أن وجدت الديمقراطية على الأرض تختزلها مقولة (الدين لله والوطن للجميع)، لذلك فالوطن في الدساتير الديمقراطية بلا استثناء لا دين ولا طائفة ولا مذهب له.
لذلك كله فإن فشل التجربة الديمقراطية العراقية التي نعاصرها الآن تعود إلى أن دستورها يختلف من حيث البدء، ومن ثم التطبيق مع المفاهيم الديمقراطية التي لا يمكن أن تقوم دولة ديمقراطية وهي تختلف معها. وفي تقديري أن العراق - مثلاً - سيستمر في أزماته الأمنية، بل وفتنه، لأنهم (لفّقوا) دستورًا مصممًا منذ البدء على أن ينسف تساوي الأفراد بغض النظر عن طائفتهم، وسيظل ينتقل من طامة إلى طامة، ومن فساد إلى فساد، ولا ينتهي من أزمة إلا ليبدأ بأزمة جديدة وهكذا دواليك، حتى يقتنع العراقيون أن الدين والمذهب لله والوطن للجميع. وهذا شبه مستحيل، على الأقل في الأمد القريب، طالما أصحاب العمائم لهم كل هذه المكانة والقدسية، إلى درجة أن أحدهم في خطبة جمعة استطاع أن يعزل رئيس الوزراء، ولو شاء (لنصح) بتعيين آخر، فانتخبته الأغلبية، حتى وإن كان أميًا لا يقرأ ولا يكتب.
في الهند أكثر من مليار نسمة، وفيها عشرات الآلاف من الأديان والمذاهب، ومع ذلك تعد أفضل دولة ديمقراطية على وجه الأرض، فالدين أو المذهب أو العرق لا علاقة له بالسياسة، لا من قريب ولا من بعيد، فالكفاءة هي المؤهل الذي يبحث عنه الناخبون حين ينتخبون، فإذا توفرت كانت هي الفيصل؛ لذلك تجد الهندي المسلم يدافع عن العلمانية بقوة بل وبشراسة، لأنهم أقلية، ولولاها لابتلع المسلمين طائفة الهندوس التي تمثل الأكثرية، وحرموهم من حقوقهم.
ومن المضحكات المبكيات أن دعاة جماعة الإخوان يزعمون، خاصة في بلاد الغرب، أنهم ينادون بالديمقراطية، ويعيرون أعداءهم بأنهم ليسوا ديمقراطيين، في حين أنهم يُقصون ليس غير المسلمين فحسب، وإنما كل من يختلف معهم من المسلمين أنفسهم، وهم بذلك كالذي يكذب ويبيعك السلعة، وعندما تتفحصها تكتشف أنها مغشوشة، وليست كما كان يصورها لك.
إلى اللقاء