د. محمد عبدالله الخازم
يواجه الموظفون الجدد صعوبات التأقلم/ التفهم لبيئات العمل والتدرب على المهام الجديدة. وتستمر الصعوبات حتى لدى الموظف الذي يُطلب منه ممارسة الدور المهني والاجتماعي، وموازنة الشخصي بالعملي، والبحث عن الاستمرارية والترقية في العمل.. إلخ. أساتذة الجامعات والأطباء والممارسون الصحيون - أستخدمهم نموذجًا عطفًا على طبيعة عملي، والوضع ينطبق على غيرهم - يمرون بصعوبات وتحديات، لها علاقة بتطورهم الفردي والجماعي، المهني والإداري والاجتماعي. ولدينا إشكالية محلية، تتمثل في كبريائهم أو حيائهم أو جهلهم أحيانًا بالتعبير عن تلك التحديات بشكل يقودهم لإنكارها أو تجاهلها. يجتهدون -كلٌّ بطريقته- معتمدين في الغالب على ما يقوله فلان وعلان لفهم أنظمة العمل الجديدة، وحقوقهم، وطرق التواصل وإدارة الاجتماعات ومهارات القيادة وغيرها. لا يفهم البعض أن طبيعة العلم الذي تعلموه هو تخصصي مهني في مجالاتهم المعرفية، وليس في مجالات تتعلق بالأنظمة والقيادة والتواصل والتكيف المهني الاجتماعي.. إلخ. كما أن لا أحد يقيس الإحباطات والاحتراق المهني وتواضع الإنتاجية التي يتعرض لها البعض، وتقوده للهروب من المجال المهني إلى مجالات هامشية أكثر راحة و(برستيجا) ظاهريًّا، نتيجة عدم دعمه مهنيًّا وشخصيًّا واجتماعيًّا للتكيف وفهم احتياجاته ومسؤولياته وحقوقه وطموحاته. والأسوأ هو اعتقاد القيادات/ الزملاء القدماء أن على الجميع السير في الطريق الصعب العشوائي نفسه الذي ساروا فيه، وعانوا منه الكثير. ينقلون إحباطاتهم وتشاؤمهم وأنانيتهم للجيل الجديد؛ ليكون مشابهًا لهم!
بعض المؤسسات تقدم دورات تطوير مهني، عامة أو متخصصة في جوانب مهنية، يعيبها كونها غير تفاعلية، ولا تلامس الاحتياجات الفردية النفسية والاجتماعية والتحفيزية للموظف. قسم الأورام بجامعة كالقرى قدم نموذجًا مختلفًا*؛ إذ عيَّن مدربًا شخصيًّا، دوره يتجاوز مجرد دور المزاملة (Mentoring) الذي يزامل فيه الدكتور الجديد آخر صاحب خبرة. بعد التحاق الدكتور بالبرنامج، باختياره، يلزم بست ساعات في الحد الأدنى شهريًّا متفرقة يحضرها مع المدرب الذي يتفهم حياة المتدرب الفردية، وصعوباته، وتطلعاته المستقبلية؛ وبالتالي رسم خطة واضحة لدعمه وتدريبه. وهناك جلسات إضافية مخصصة متى احتاج الأمر، أو لأغراض محددة، مثل التجهيز للمقابلات الشخصية، وكيفية الحصول على عمل جديد.. إلخ. التجربة وُجهت في البداية للدكاترة الجدد، لكن أقبل عليها القدماء، بمن فيهم بعض القيادات أو متوسطو الخبرة؛ وهو ما استوجب تصميم ما يناسب مستويات مختلفة. فلسفة التدريب اعتمدت ثلاثة خيارات:-
1- التدريب القائم على دعم مصادر القوة لدى المتدرب بحيث يتعرف على نقاط الضعف والقوة لديه، وتطوير ثقته بنفسه وأهدافه المستقبلية.
2- التدريب القائم على السيناريوهات المختلفة: كيف تترقى، كيف تبني الفريق، كيف تتواصل، كيف تتكيف.. إلخ. وذلك في ضوء خيارات وتطلعات المتدرب.
3- التدريب القائم على تحليل المواقف: كيفية الحصول على منصب أو وظيفة، موازنة الحياة المهنية والشخصية، بناء ثقافة العمل كفريق وتحمُّل المسؤولية كفريق، حل الصراعات في العمل والحياة.. إلخ.
التجربة كانت إيجابية منفردة، أو بالتكامل مع الطرق التقليدية.. نحن بحاجة إلى تطوير آليات متنوعة وخلاقة لدعم النمو الشخصي والمهني للمهنيين والموظفين الجدد، وعدم التهاون بما يعانونه من صعوبات وضغوطات، لا يعبرون عنها بوضوح في بيئتنا.