د.ثريا العريض
بقي على نهاية هذا العام الميلادي الحالي ثلاثة أيام، ولكن ما حدث وتحقق خلال العام يكاد يختلف في تاريخ العالم عن كل الأعوام السابقة. ويكاد يكون من المستحيل التكهن بما ستحمله الأيام القادمة حتى قبل أن ينتهي العام. بينما يحتفل سكان بعض المدن المحظوظة باستقرار الأوضاع الاقتصادية والأمنية بموسم الأعياد بكل طمأنينة وجذل وسعادة، يعاني ملايين المشردين الذين فرضت عليهم أحداث الصراعات السياسية الهجرة من منازلهم ومدنهم إلى مخيمات لا تدفئ البردان ولا تشبع الجائع في انتظار أن تنقذهم رحمة الله بمعجزة. وفي عز الشتاء القارس ما زالت شوارع الكثير من المدن الشرقية والغربية -وبينها دول عربية- تنتفض ملتهبة بالغضب على أوضاع العطالة والجوع والبطالة والفساد الإداري والتحيز الفئوي والتسلط الحزبي. وتقابل مطالبات الجماهير المحتشدة سلميًا بمحاولات فض التجمعات والمظاهرات والهتافات بردود قمعية عنيفة من الجهة التي تهدد المطالبات ما اغتصبته لنفسها من تميزات تسلطية. من تبسيط الأمور أن يلقى باللوم على جهات خارجية تعبث بالانتماءات والمشاعر لتحول مواطنين إلى خونة, حيث لا تنبت إلا الأرض المخصبة، ولولا وجود بذور لتوجع المواطنين لما تحولت انتماءاتهم لجهات خارجية تغريهم بالمال ومعسول الخطاب والشعارات. بلا شك هناك مظلومون يعانون أوضاعًا مؤلمة من التفرقة والتمييز الطبقي والديني والإثني والطائفي والمذهبي الممنهج. وليس في هذه التناقضات بين المدن والتفاوت في الأوضاع أمر جديد. الجديد هو مدى تسارع الأحداث والتهاب الشوارع بمشاعر الغاضبين وتصاعد المسيرات إلى حيث تخرج عن مدى السيطرة بأي طريقة.
الحمد لله أننا لا نقف مكتوفي الأيدي مكتفين بالاستمتاع بنعم الله علينا وعلى رأسها نعمة الأمن والاستقرار, بل نمد يدنا بالعون لمن يعانون حولنا لنبقي رؤوسهم مرفوعة فوق لجج المعاناة وسيول الاضطرابات.
نعم نشكر الله على مسيرة مباركة ونرفع له دعاء بالفرح المستدام.
أقل ما يقال بصدق عما نعايشه اليوم من مشاعر أنها أيام فرح وابتهاج واحتفاء بمسيرة نتمناها ممتدة أبدًا, كما نتمنى لغيرنا مثلها في موسم نمو وبناء يعيد لبلاد الجوار وقاطنيها صحتهم الاجتماعية وتوازنهم النفسي وأمانهم الاقتصادي.
أبارك إذن للوطن بعام جديد يحمل رؤية 2020 وموقعه الجديد متألقا بأفراحه وإنجازاته داخليًا وخارجيًا.. وأبارك للقيادة نجاحاتها الواضحة في توجيه الوطن لحيث يسود الابتهاج بكل معطياته وطموحاته. وأبارك للمواطن انفراجات معاناته المتراكمة وذوبانها بعد أن تنامت ككرة الثلج الجارفة لتجمد فرحته بالحياة الطبيعية.
ويبقى أن أضيف دعائي أن يستمر هذا العام وكل عام التوازن والتفهم وتضافر الجهود والطموحات في كل الجوار والالتفاف حول توجه القيادات الواعية لمسؤولياتها والتحليق في آفاق شاسعة من توازن أجنحة الرؤية والتنفيذ والرضى المستدام.