د. خيرية السقاف
في ضوء الكينونة ذات القِوامات الراسخة لا مساومة، ولا ثمن، ولا جدال، ولا تفريط، ولا تجاوز في شأن الأخلاق الحسنة عصبتها، وتفاصيلها..
تبدَّت في السلوك اللفظي للفرد، أو الحركي، أو الشكلي؛
بمعنى أن المجتمع المؤسس على الأخلاق لا يتنازل عنها البتة في أي مكان، أو زمان، في أي موقف أو حالة، في الحضر، وفي السفر، بين البشر أو مع كائنات في الكون باختلاف أناسه، مشاربهم، وأفكارهم، وعقائدهم، وباختلاف ألوانهم، وأحجامهم، وأعمارهم، وباختلاف مناصبهم، وأدوارهم، فإن أفراده مسؤولون عن أخلاقهم يتمثلونها فيما يلفظون، ويفعلون، ويظهرون..
فمجتمع الأخلاق هو مجتمع حضاري، على وعي، وذو ضوابط، وذو قوانين صارمة، يُرجع إليها أي تجاوز في سلوك الأفراد، حفاظاً على الجميع باحترام الذوق، والقيم، والفضائل التي هي مقابض أبواب السلامة، وبساط السلم، وفضاء الاحترام في أي مجتمع يتطلع أفراده لأن يبقى لحسهم، ولذوقهم الرقي، والسلامة من أي مسلك يخدشهما، فيتعكر صفو البيئة، ونقائها..
ولأن لكل امرئ حريته الفردية فيما يحب، ويهوى، وينتقي، ويختار، ويتصرف، إلا أن حريته تقف عند حدود احترامه الآخرين، وعنايته بذوقهم، وحفظه لقيمهم، وعدم التفريط في ضوابطهم، والامتناع عن تجاوز أية جزيئة في قِوامات أخلاقهم التي تنضوي عليها كل تلك المكونات، التي هي وتد المجتمع، والخيمة التي يجتمعون جميعهم تحت مظلتها.
وأخلاق الناس هي ما يعتقدون...
وما يعتقدون إنما هو بُنى نشأتهم، وغراس تربيتهم، وجزيئات مفاهيمهم، وحاصل أفكارهم..
فمن يتجاوز فعليه مراجعة كل هذا التكوين فيه..
وأن يتحقق للناس كل الناس دون استثناء براح كبير في المجتمع للتحرك بحرية، وتفاعل، واندماج، وتكافؤ بينهم بنوعيهم، وبمختلف أعمارهم، وأجيالهم، ويتسع لهم سقف الثقة في وعيهم لممارسة العيش في فسحة من أمرهم، دون تعنت، أو تضييق، أو تعسف مع نهضة التطوير، والتجديد، فإنما هذا هو محك لتقدير مستوى فهمهم عن الحرية الشخصية، ومستوى قدراتهم على تثمين هذا البراح، واحترام الثقة التي حين ينفرط زمامها في سلوكهم الفردي فإنما ذلك يسيء لأخلاق من يفرط فيها بأي أشكال، سواء الخلق اللفظية كانت، أو الحركية، أو الشكلية، وهذا ما لا تعنيه البراح في كل المتاحات التي توفرت للفرد في المجتمع، وهي سبيل للثقافة الواعية لمعنى الضابط الذاتي..
يبدو أن قوانين الذوق العام التي أخذت الجهات الأمنية في تطبيقها عند مروق بعض الذين واللاتي يفرطن، أو يتجاوزون سقف حرياتهم لخدش حياء المجتمع، ستكون خطوة ضابطة لكبح الانزلاق في شكل من أشكال تجاوز خط الأخلاق القويمة.
وسيبقى لمجتمعنا العريق في ظل هذه الضوابط كيان أخلاقه، وقِوام مسالك أفراده، ما يؤكد أن للحرية الشخصية ضوابطها، ومعاييرها التي لا يسمح بغيرها أن يمارس فيه. وفي هذا تثبيت لمفهوم التطور الواعي، المفعم بالقيم الأصيلة، والأخلاق الفاضلة.